فى يوم مشمس صحو، خرج الأمير الصغير ليتنزه
وسط حقول القمح الذهبية وهو يمتطى ظهر فرسه السريع "رعد"..كان
"رعد" أو "رعد الأسود" كما يسميه الجنود هو أسرع فرس من بين
كل خيول ملك مصر، لذلك لم يستطع أيًا من الحرس أو خيلهم الذين رافقوا الأمير فى
نزهته أن يلحقوا به ما أن أسرع "رعد" و بدأ فى العدو.
تلك.. كلك.. .. تلك..كلك.. .. تلك.. كلك.. ..
تلك..كلك.. ..
كان الطريق خاليا ولم يكن هناك أى شيىء ليوقف
"رعد" عن العدو، أو يجعله يتمهل، فرعد يحب أن يرى الخيل تركض من خلفه
ولا تكاد تلحق به، كما أحب الأمير أن يشعرأنه بعيد عن حرسه الشخصى الذى صاحبه فى
كل مكان، ولكن فجأه! جذب الأمير الصغير لجام الفرس بقوة وهمزه آمرا إياه أن يتوقف،
وفى الحال أطاع "رعد" أمر سيده دون أن يعرف السبب! ونظر إلى الخلف ليرى
المسافة الطويلة التى كانت تفصل بينه وبين خيل الحراس وراقبها وهى تدنوا منه وعندما
لاحظ رعد تناقص هذه المسافة شعر بالإنزعاج وهز رأسه ملتفتًا إلى الأمام ليرى ماذا
كان يعترض الطريق ولكنه لم يرى فى الأفق أى شيىء.. .
حاول "رعد" أن يتلفت إلى الخلف
ليطمئن على سيده ولكنه لم يستطع أن ينظر نحوه بسبب السرج الذى يحيط برقبته
ولكنه سرعان ما زال قلقه عندما شعر بيد
الأمير الصغيرة تربّت برفق على رقبته السوداء.. فهدأ الفرس وعاد يلتقط أنفاسه وفجأة
أدرك لم توقف به الأمير.
ففى أسفل الطريق وعلى بعد خطوتين من الحصان
كان هناك قنفذ صغير يحاول عبور الطريق،
كانت هذه أول مرّه يرى الأمير قنفذًا ولم يكن يعرف أن وسط هذه الحقول
الذهبية تًَعيش مثل تلك الكائنات البديعة تتنقل من حقل إلى حقل- وبالطبع لم يكن
ليترك"رعد" يحطمه تحت أقدامه المسرعة، كان القنفذ يتحرك ببطء و تؤده دون أن يشعر بأى خوف.
كان ذلك اليوم هو آخر مرة شاهد الأمير أو سمع
صهيل فرسه رعد، الذى وقف يزمجر بغضب ويضرب بحافره الأرض أمام القنفذ ولكن القنفذ
انطلق فى طريقه لا يسرع ولا يبطىء حتى غاب عن الأنظار وسط عيدان القمح الذهبية.
انتهت نزهة الأمير مبكرًا فمنذ تلك اللحظة لم
يعد رعد يجرى وعاد الأمير إلى القصر وخيل الحراس تتباطأ فى خطاها لتلحق بخطى
"رعد" المتكاسلة.. ومنذ ذلك اليوم امتنع رعد عن الطعام والشراب حتى أن
رئيس اسطبلات الخيل قد أمر بأن يوسم بالجمر فى رأسه لعل ذلك يشفيه من الجنون ولكن
دون أمل. تيبست عضلات الفرس وجفت أمعائه وأصابه الهزال الشديد وفارق الحياة دون أن
يراه الأمير الذى لم يعرف ماذا حدث فى ذلك
اليوم؟ ولماذا تغير حال فرسه؟
وفى أحد الليالى شاهد الأمير حلما غريبا جفف
أنهار حيرته، فلقد رآى نفسه وهو لا يزال أميرًا صغيرًا يمتطى "رعد"
ويركض به وسط الحقول ومن خلفه الحراس وخيلهم لا تكاد تلحق بالفرس، ثم رآى نفسه وهو
يأمر الفرس ليتوقف حتى يعبر القنفذ، لم
ينتب الفرس فى أول الأمر للقنفذ ولكن عندما نظر إلى الأسفل ورآه، لم يسمع
الأمير فرسه رعد يصهل كما اعتاد سماعه
ولكنه رآه ينطق بلسان بشرى وهو يصيح فى القنفذ قائلا:
"تحرك أيّها البطىء!"
ثم شاهد القنفذ وهو يرفع رأسه فى بطأ وتكاسل
وقال للفرس:
"وأنت أيّها السّريع!
فيم نفعتك سرعتك وعدوك وسط الحقول إذ جعلت
ظهرك مطيّة للإنسان؟"
أذهلت الكلمات فرس الأمير. فعجز عن الرد
وطأطأ برأسه نحو الأرض وهو يسمع القنفذ يتمتم بلسان بشرىّ ويقول:
"بطىء.. عجوز..ولكن ظهرى الملىء بالشوك
لم ولن يمتطيه أحد!"
عندها عرف الأمير سر الحزن الشّديد الذى حلّ
بفرسه حتّى مات، ومرت أيام كثير يحاول الأمير أن يكلم الخيول لكنه أبدا لم يتلقّى
اجابة.