فقال الفرس"هـوور":
" لقد أتيت أحمل أخبارا سيئة من الشرق، فلقد اشتد الجفاف فى الوادى وهلكت الأشجار والحيوانات و حل الصمت بدلا من تغريد الطيور التى هجرت أعشاشها فوق الأشجار الذابلة، ولقد انحسرت مياه النهر العظيم و اختفت أسماكه فى برك من الطين والوحل."
ثم صمت الفرس وحرك نظره بين الأشجار كما لو كان يبحث عن الشجرة التى سياتى منها الصوت ليوجه إليها الكلام، ولكن عندما رآهم كلهم متشابهين فى صمتهم عاد ببصره نحو الشجرة الأم ووجه كلماته إليها فقال:
" إن النهر يحتضر ولقد أرسلنى سيد النهر الثعبان العظيم "ناليـ نوس" إلى غابة "المووه" طلبا فى العون و المشورة .. إنه يدعوك للإجتماع"
لم يتلق فرس الريح"هوور" أى إجابة ولكن هذه المرة عندما تنقل ببصره بين أشجار الغابة لاحظ القردة التى كانت تقف عند أطراف الساحة الخضراء تراقبه من بين الأشجار المتشابكة، انتبه فرس الريح نحو القردة و ثبت بصره نحو مجموعة منها فهى الوحيدة التى كانت تتحرك فى المكان، وعندها انتابت القردة حالة من الاضطراب و الارتياب و قفزت متراجعة نحو الوراء، فهى لم ترى أبدا هذا الهدوء و السكون من قبل ولم تشهد الريح من قبل تتوقف لتحدق فيها بل دوما كانت تمر بها و تتخطاها، ولقد شعرت القردة بالخوف الشديد خاصة عندما عندما بدأ الفرس "هوور" يتقدم نحوها بخطوات بطيئة، ولكنه سرعان ما أحنى رقبته ليلتفت نحو الخلف عندما ترددت كلمات الشجرة الأم من خلفه:
" إنى لا أخاف الجفاف ولكنى أيضا لا أستتطيع الذهاب نحو الشرق.. وصديقك "ناليـ نوس" يعلم هذا جيدا.. فهو يعرف ان جذورى ضاربة فى الأرض ولا أستطيع مغادرة هذا المكان فليس لدى سوى قدم واحدة و آلاف الاصابع المتشابكة. ومع هذا فلن أتخلى عن صديقى "ناليـ نوس" ولسوف أجد سبيلا لمساعدته"
ثم قالت: " هوور.. .. أيها الصادق السريع.. .. يصلك ردى قبل غروب الشمس... وانتظر منى أخبارا طيبة.." وهنا أحنى الفرس رأس لأسفل فى تحية للغابة وصهل عاليا وارتفعت أجنحته الستة فى الهواء زوجا يلي الآخر حتى اهتزت لها كل أوراق أشجار الغابة ثم ضرب الأرض بقدمه الأمامية ليختفى بعدها مثل ضباب أبيض مزقته أشعة الشمس، ولكن القردة المختبئة شعرت بضربة من الهواء البارد صفعتهم جميعا على وجوههم فى اللحظة التى اختفى فيها الفرس.
فى نهار ذلك اليوم وفى مكان ما فى الغابة ليس ببعيد عن ساحة العشب الأخضر، اجتمعت قردة البابون الناسك تفكر فى العرض و الطلب الذى سألته أشجار "المووه" من القردة، فبعد لحظات من اختفاء فرس الريح "هوور" نادت الأشجار على القردة التى لم تستغرق وقتا فى التجمع حول ساق الشجرة الأم فى الساحة الخضراء وسئلتها ان تكون رسلها للنهر العظيم.. ان الغابة لا تملك أرجل لتحملها نحو الشرق ولكن القردة أبناء الغابة يستطيعون ذلك كما يستطيعون أن يتحدثوا نيابة عن الغابة ويخاطبوا الثعبان "ناليـ نوس" بلغة "المووه" و وافق القردة على الفور و فى الحقيقة كانوا سعداء بثقة الغابة فيهم ولكن القرد الضاحك كان الوحيد من بينهم الذى سئل الغابة عن الثعبان "نالينوس" كيف يبدو؟ وهل هو ثعبان يعيش فى النهر؟ و لقد أجابته الغابة قائلة :
" الثعبان ناليـ نوس ليس ثعبان يعيش فى النهر بل هو النهر نفسه ولكنه لا يتخذ صورة الثعبان الى فى مناسابات مميزة ربما كالتى نحن فيها "موسم الجفاف" وكذلك فى "موسم فيضان النهر" .. أنهم يقولون بأن للنهر العظيم سيد يدعى الثعبان "نالينوس" لا يراه أحد طوال سنوات و ربما طوال عمره ولكن أولائك الذين سيرون ذيله سوف يموتون عطشا و أولائك الذين سيرون رأسه سوف يموتون غرقا و ألائك الذين يرون جسده يمتد يجرى بين الجنوب والشمال ولا يمتد بصرهم للجنوب فيبصرون ذيله أو يدركون رأسه فإنهم سوف يشربون ماءا طيبا ويعيشون حياة طيبة فى وادى النهر العظيم"
وهنا أدركت القردة ان الرحلة الى الشرق لا تقتصر فقط على مخاطر البرية و السير فى الصحراء الجافة الممتدة ما بين الغابة والنهر ولكن أيضا ربما مقابلة الثعبان المخيف نالينوس قد تحتمل شيئا من الخطورة، ولذلك قررت القردة أن تجتمع فى طرف الغابة و تختار من بينها عشرة من القردة ليمثلوا الغابة فى اجتماعهم مع الثعبان "ناليـ نوس" فاختاروا:
القرد الضاحــــك و القرض الغاضب
القرد المتحـــدث و القرد الصامــت
القرد الذكــــــــى و القرد الغبـــــــى
القرد الشجاــــع و القرد الخــــائف
القرد المتفــــائل و القرد اليـــــائس[1]
وعند غروب الشمس كان طابور من خمس صفوف من القردة فى كل صف قردان يغادر الغابة متجها نحو الشرق فى رحلة فى الظلام بعيدا عن شمس "سان راى " وسهامها الحارقة على أمل أن يصلوا وادى النهر الجاف قبل أن تتعامد اشمس فى السماء و يشتد وتر قوسها و تطلق سهامها المميتة على المسافرين، كان كل قرد يحمل فى يديه ثمرتين من أطيب ثمار الغابة شديدتا الاحمرار والنضوج ،احداهما لرحلة الذهاب والأخرى لرحلة العودة، فكما أخبرتهم الغابة أن ثمرة واحدة ستكفيهم جوع وعطش الطريق والسفر، كان القردة متحمسين و متفائلين فلى رحلتهم فهم بالأساس قبيلة بابون جوال اعتاد أجداده السفر ولكنهم منذ سنوات ظلوا حبيسين الغابة الجميلة وعلومها وحكمة لغة المووه كما أنهم كانوا يستمتعون برفقة الفرس"هوور" مرشدهم فى طريق رحلتهم فكان فى بعض الأحيان يتقدم الصف و يتباطأ فى مشيته فيستحيل حصانا صغيرا أبيضا وفى بعض الأحيان يكون فى آخر الصف ولكنه كان دائم الحركة ولم يكن يتوقف أبدا ليستريح مثل القردة، وفى بعض الأحيان كان يحلق بأجنحته فى السماء ويصهل صائحا اننى أرى النهر ليدفع الحماسة فى نفوس القردة التعبة وعندما أشرقت الشمس، كانت لطيفة معهم حتى انتصف النهار وهنا احتمى القردة فى ظل صخرة عظيمة والذى كان ليكون مكانا حارا لا تغنى ظلاله عن سهام شمس "سان راى " الحارقة لولا أن كان معهم فى سفرهم الحصان الأبيض" هوور" الذى أخذ يرفرف و يضرب الهواء بأجنحته محطما كل سهام الشمس التى كانت تقترب من الصخرة ومحركا الهواء من حول القردة جاعلا المكان لطيفا أقرب ما يكون إلى وديان غابة "المووه " وهنا تناول القردة أول ثمرة "مووه" كانت لديهم ونالوا قسطا من النوم حتى غربت الشمس وعندها أيقظهم الفرس "هوور" ليكملوا مسيرتهم فى الليل نحو الشرق وواصلوا المسير باجتهاد فى هذه الليلة فالطريق كان خاوى تماما من الجبال أو الصخور و كانوا يخشون أن يطلع عليهم النهار من دون ملجأ يحتمون فيه من أشعة الشمس وسهام "سان راى" الحارقة وعندما حل الفجر وبددت الشمس البرتقالية ظلام الليل شاهدوا جميعا صورتها المرتعشة و انعكاسها فوق صفحة النهر "نهر النيل" وعندها أدركوا أن رحلتهم قد وصلت لغايتها فقد بلغوا أرض الوادى و قريبا سوف يقابلون ثعبان النــــهر العظيم "ناليـ نوس"، و هنا ركض القرة و هرولوا يهبطون المنحدر الترابى نحو شاطئ النهر العظيم كما لو كانوا يتسابقون أيهم سيبلغ المياه أولا؟ وسط ضحكات "هوور" المرحة، فلا شيء أحب إلى "هوور" من منافس يحاول أن يسابقه و ما أن بلغوا الشاطئ حتى رأوا الفرس الشفاف مشرعا أجنحته ويقف فوق صفحة المياه ولكنهم لم يلقوا له الاهتمام وانكبوا على مياه النهر الضحلة يحاولون الشرب منها.
[1] هكذا وردت أسماء القردة العشرة فى حكاية البوم بلا أى أسماء، فقط اشارة الى صفاتهم، وهو من الأمور النادرة والغريبة أن يحمل الحيوان صفة بدلا من اسم الحيوان إلا فى حالات نادرة و خاصة جدة كما فى حكاية عصافير شجرة الجوزاء ، وربما يكون سبب ذلك هو ان هذه الشخصيات هى أبطال حكاية وليست حيوانات حقيقية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق