الأحد، 30 أكتوبر 2011

...عصفورا شجرة الجوزاء...1


1-   الشاطئ الشرقي للبحيرة

اعتادت تماسيح البحيرة أن تستلقي على الشاطئ الرملي الواقع في جنوب البحيرة وتعرض نفسها لأشعة الشمس في ساعات النهار، أما شاطئ البحيرة الشرقي فبالرغم من خلوه من أحراش الخيزران والشجيرات التي قد تحجب الشمس عن التماسيح إلا أن  الصخور الجيرية والتصدعات الحجرية جعلته مكانا ذو طبيعة قاسية لا تناسب حيوانات البحيرة كبيرة الحجم مثل التماسيح، ولكن بالنسبة لصغار الحيوانات كالفئران والثعابين والطيور الصغيرة كان الشاطئ الشرقي لبحيرة التماسيح عالمًا فريدًا نحتته الطبيعة بين الصخور لكي تحمى الكائنات الصغيرة من أذى ضواري البحيرة الكبيرة من تماسيح و نسور.

كان  الشاطئ الشرقي للبحيرة ينقسم إلى ثلاث عوالم تجاور بعضها البعض، تتداخل أحيانا و تتباعد أحيانا أخرى، أولها وكان الأقرب إلى البحيرة والأقدم وهو "منطقة الشقوق الصخرية"، وهو جزء من اليابسة كانت تغمره قديمًا مياه البحيرة، ثم انحسرت مياها على مر السنين.

صنعت المياه التي كانت تغمر الجانب الشرقي عند جفافها شقوق عميقة وأخاديد غائرة في الأرض  تمتد على مساحة شاسعة من شاطئ البحيرة الشرقي. تماما في المنطقة الواقعة بين شاطئ التماسيح الرملي في الجنوب وأحراش الخيزران التي تسكنها جماعات الطيور طويلة العنق وأسراب البجع في الشمال الشرقي من البحيرة.

عرفت هذه المنطقة بين حيوانات البحيرة "بمنطقة الشقوق"، وهى ترى كمنطقة خالية من الحياة وجرداء تماما عند النظر إليها من الخارج أو من السماء كما تراها النسور الطائرة ولكن من الداخل يختلف الأمر تماما، فمن داخل "منطقة الشقوق" لا يمكن رؤية السماء الواسعة سوى كخطوط متعرجة ومتقاطعة تضيق وتتسع كما يحلو للشقوق أن ترسم صفحة السماء تاركةً أسفلها العديد من الشوارع الضيقة والمتقاطعة دوما وهناك بالأسفل وفى عمق الأرض كان يعيش عالم غريب من الحيوانات المتنوعة والتي تعلمت أن تتعايش معًا بعيدًا عن أي أذى قد يحمله لها دخيل من العالم الخارجي، فلا يوجد أي حيوان ضاري من الثعالب والنسور استطاع استكمال مطاردة صيد  بلغت الطريدة فيها "منطقة الشقوق" الآمنة.

إلى جوار عالم الشقوق يوجد عالم آخر صغير نسبيًا، عالم لم تتدخل الطبيعة في صناعته و تشكيل ملامحه، وإنما صنعته الحيوانات بنفسها،"عالم الجحور" وهو عبارة عن مرتفع ترابي صغير يمتلئ بمداخل جحور الحيوانات مثل الفئران والأرانب و القوارض وابن عرس وبعض السنويات الصغيرة.
قديمًا كانت كل أسلاف تلك الحيوانات تعيش في منطقة الشقوق ولكن هواء  أخاديد الشقوق الفاسد غير المتجدد والرطب جعل المكان غير صالح لتربية صغار الحيوانات البرية والقوارض، فهاجر الكثير منها إلى الجنوب وحفر لنفسه الجحور في عمق الأرض  لتحاكى عالم الشقوق الذي جاءت منه، وبقيت في منطقة الشقوق الثعابين والسحالي والعقارب والعلاجم وكل المخلوقات الخبيثة التي تضع البيض ولا تلقى أي اهتمام لتربية وتنشئه صغارها.

وبمرور الأيام ازداد الانفصال بين العالمين، أصبح عالم الجحور الجديد  تحكمه القوارض وصار عالم الشقوق حكرًا على الثعابين وأقاربها من السحالي، وقامت الثعابين بإجبار القوارض من فئران وأرانب من اللذين آثروا البقاء في عالم الشقوق على الهجرة وترك المكان للثعابين وبيضها.

فصارت شوارع الشقوق مظلمة، رطبة، كريهة الرائحة بعد أن  امتلأت جوانبها وأركانها بجلود الثعابين اليابسة والمتعفنة التي طرحتها بعيدًا، ومن قبل كانت تزدحم بالحيوانات المتحابة والمتآلفة، لا تمييز بين فصيلة وأخرى. لم يبقى من العالم القديم سوى لغته، فكلا العالمين لا زال يتحدث نفس اللغة بالرغم من تنوع واختلاف حيواناته، بل وينطق نفس اللهجة التي تعرف في البحيرة بلغة أهل الشقوق.

الآن يفصل بين العالمين طريق متسع عرضه يتراوح بين ثلاث أو أربع أقدام، أطلقت عليه حيوانات البحيرة اسم "الطريق المكشوف"، فهذا الطريق لا يتجرأ حيوان على عبوره بالنهار إلا و أصبح هدفًا سهلًا لنسر ضاري وفى الليل هناك البومة البيضاء التي لا يعرف أحد بعد أي شجرة تعيش فيها أو أين تقضى نهارها، بعض الحيوانات تدّعى أن "الشيطان الأبيض" وهو الاسم الذي أطلقوه على بومة البحيرة البيضاء تسكن فوق القمر لذلك فلن يرى أي حيوان عشها بالنهار أو يعرف مكان شجرتها وبرغم هذه القصة غير منطقية تماما إلا أن الكثير من حيوانات البحيرة يبدأ جولته الليلة بالنظر نحو القمر ومراقبته لفترة قبل انطلاقه في الطريق الذي لم يهتم بتحسسه.

وهكذا زاد الطريق في عزله العالمين، و به أمن قوارض الجحور من أذى الثعابين إلا أنه أيضا ملأ قلوب الثعابين والسحالي حقدًا و كرهًا على أهل الجحور.
وبين هذين العالمين المتناقضان يوجد عالم ثالث خفي غير مرئي اسمه "عالم الأنفاق"، وهو عالم تحت الأرض، يؤكد وجوده البعض وينكر وجوده البعض الآخر، فلقد شاهدت  بعض زواحف الشقوق آثار أقدام فئران وقوارض  حية مطبوعة على الطرق المتشعبة في الشقوق ولا يعلم أحد كيف وصلوا إلى هناك، كما شوهدت بعض الآثار التي يحدثها جلد ثعبان زاحف في ممرات سفلية أسفل منطقة الجحور، لا أحد يعلم من صنع تلك الأنفاق السفلية وهل هي بالفعل  موجودة وتربط بين العالمين، أم وجودها مجرد خيال اصطنعته الحيوانات من أجل حكايات ليالي الشتاء الباردة؟ ولكن نسور البحيرة تصر على أن هذه الأنفاق موجودة ويدعى بعض عجائز الفئران أن هذه الأنفاق السرية لا تمتد فقط أسفل الجحور والشقوق ولكنها تمتد لتبلغ شاطئ البحيرة الغربي، ولكن لا وجود لأي دليل على هذا، فعالم الأنفاق عالم سرى غير مرئي وغير معلوم لدى أغلب حيوانات البحيرة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق