الخميس، 26 أبريل 2012

الخميس، 19 أبريل 2012

الفيوم ارض السحر و الغموض- فى شم النسيم

بالرغم من ن الطقص كان سيىء و الدنيا كانت زحمة- بس كانوا مبسوطين و بيستمتعوا بوقتهم.. الفرحة هى ان الواحد ينبسط عشان بس السعادة هى ان الواحد ينبسط بالرغم من..!

رحلة الى الفيوم أرض السحر الغموض


Before Photoshop


After photoshop



Land of magic  and !...
 

الاثنين، 16 أبريل 2012

الصقر و الحيات الثلاث (الجزء الثالث و الأخير)

فى صباح اليوم التالى وبعد أن انتصفت شمس الظهيرة، ذهب الصقر إلى بوابة المسجد الكبير وجلس فوق قمتها وهو يراقب صخرة الحية الصيادة، وانتظر هناك  حتى تحركت الشمس وجعلت ظلاله ترتسم أمام مدخل جحر الصيادة.

وهنا بدأ يضرب الهواء بجناحية ليجعل الحية ترى ظلاله وتنتبه لصوت أجنحته. وبالفعل فى ذلك الوقت كانت الحية نائمة ولم ترى الظلال ولكن صوت تصفيق الأجنحة أخافها فلم همت تخرج وتنظر ماذا بالخارج؟ - شاهدت ظلال الصقر تتراقص أمام جحرها فامتلأت رعبًا وكمنت فى مكانها مجفلةً - ولكن منتبه كما أراد الصقر.

فى ذلك الموقف استمعت الحية إلى حديث صقران ميزت ظل أحدهما ولكن الآخر لم تستطع ملاحظته دون الخروج من الجحر- "ربما كان ظله يمتد فوق الصخرة !"- كان كلا الصقران يتحدثان حديثا مرعبا عن وليمة من حية كبيرة تعيش أسفل صخرة بالمسجد، ولكنهما بعد لا يعرفان مكان تلك الصخرة- ومع ذلك فلا توجد مشكلة - فهذه الحية لها أخت تكرهها و تحدثت الى أحد الصقور بأنها سوف تخبره بمكانها بعد ثلاث أيام.

قال أحد الصقور ولماذا لا نأكل تلك الأخت أيضا عندما تأتى لتخبرنا؟  فأجابه الصقر الآخر بأنها جاءته عند غروب الشمس وتحدثت إليه من بئر المئذنة فلم يرها- وهكذا حفظت حياتها فالصقور لا تأكل ما لا تراه- قال أحد الصقور" يا لها من حية ماكرة- هل من سبيل نصطادها به؟" رد الآخر قائــلا: " طالما كان ذلك فى وقت الغسق المظلم ولم تتسلق المئذنة فلا سبيل لها"

ثم عادوا يتحدثون عن الحية الكبيرة التى سوف يصطادونها بعد ثلاثة أيام و يقيمون عليها الوليمة، وذكروا أنها تدعى الصيادة واختلفوا بينهم فيمن سيأكل الذيل ومن سيأكل الرأس،  ثم تشاجرا وحلّقا بعيدا ولم تسمع الحية بقية نقاشهم المخيف.

شعرت الحية "الصيادة " بدناءة  و وضاعة أختها  "الواشية"- ثم قالت: "هذا هو طبع الواشية.. وربما كانت هى من دلّت الصقور على الحية الخادعة" وقررت الانتقام ، فذهبت فى ظلام تلك الليلة إلى قاعدة المئذذنة وتسربت إلى جوفها من بين الحجارة المتناثرة من حولها، ونادت على الصقور فلم يجبها سوى صقر واحد!

 فأخبرته أنها الحية "الصيادة" و جاءت تدله على حية لذيذة.. فسئلها الصقر "و أين سأجــــدها؟" فوصفت له مكان جحر أختها "الواشية" وأنها تعيش فى شق فى درجات السلم الموجود أملم باب المسجد الصغير.. ثم صمتت لحظة وقالت : تماما عند الدرجة الوسطى من الدرجات الثلاث تكاد تخفى مدخل الشق شجرة صبار لها ثلاث قرون.. لا يوجد فأر قد يخطىء ذلك المكان بعد هذا الوصف"
قال الصقر: " صدقتى أيتها الصيادة.. لن أخطئه.. ولكن اذا كان هذا هو مكان جحرها وهى تختبىء فيه فلا سبيل لى معها.. لا يستطيع الصقر أن  يخرج حية من جحرها؟"

قالت الحية: "فى صباح الغد سوف تجد الحية الواشية ترقد متعبة أمام جحرها ولن تستطيع أن تدخل جوف الجحر أو الاحتماء داخله"
قال الصقر: "كيف؟" لم تجبه الحية و اكتفت أن قالت: " فى الصباح لن يسعها جحر ولن يكون لها ملاذ من صديقها الصقر" وانصرفت دون الاجابة عن اسئلة الصقر المتتالية و تركته فى عشه ينتظر شروق الشمس فى غير صبر.
فى تلك الليلة انخرطت "الصيادة" فى عدة مطاردات مع فئران المسجد حتى أثارت الرعب والجلبة بين كل حيوانات وقوارض المسجد، فى العادة كانت الحية الصيادة تكتفى بفأر واحد  فى الليلة. ولكن فى هذه الليلة قامت "الصيادة" بصيد ثلاث فئران كبيرة الحجم!!!  وحملتهم وهى تجرهم من ذيولهم نحو جحر الحية "الواشية"

كانت "الواشية" تراقب اختها الكبرى وهى تزحف نحوها وتجر ثلاث فئران من ذيولهم ، نظرت "الواشية" بحقد نحو أختها وعضت على شفتيها حتى لا تخرج الكلمات التى تتنقل بين فمها وعينيها محاولة الخروج " ليلة جديدة أفشل فيها فى صيد فأر واحد وها هى أختى الخبيثة تأتى لتغيظنى  بفئرانها الثلاث.. انى اتسائل هل ضاق المكان فلم تجد سوى عتبة منزلى فتتناول الغبية عشائها فية؟".. ..  وثبتت عينها الحقودة نحو أختها الكبرى وقالت : "قريب ستكونين أنت الطريدة!!"

وما أن وصلت "الصيادة" بأنفاسها اللاهثة والمتقطعة حتى حيت اختها وعرضت عليها الصلح، فى البداية تمنّعت الحية "الواشية" لكن بعد أن سئلتها "الصيادة" أن تتقبل  هديتها (الفئران الثلاثة) كترضية منها وافقت سريعا الحية الواشية فلقد كانت فى قمة الجوع وسرعان ما شاركت اختها الوليمة فهى ليست بمهارة أختها فى الصيد و لم تحظى أبدا بمثل تلك الوليمة، وصارت تبتلع الفئران واحدا تلو الآخر حتى امتلأت بطنها وتباعدت حراشفها حول بطنها  المنتفخة التى صارت الان مثل حجر أسود عظيم وفى النهاية سئلت أختها لمذا لم تتناول أى شىء من الطعام ؟ أجابتها "الصيادة " قائلة : "  كنت عازمة على هذا و لكن عندما رأيت ما بك من جوع فضلت أن تشبعى أنت .. أما أنا فسأتدبر أمرى فى الغد"  ثم قالت: " ربما أعثر على أحد الفئران فى طريقى الى جحرى" قالت الحية "الواشية": " جحرك!!" .. أرجوك لاتذهبى إلى هناك واقضى النهار معى فى الجحر لدى متسع من المكان يكفينا معًا!"

قالت "الصيادة": " ولماذ أقضى النهار عندك؟..لماذا يا أختى؟".. ترددت الحية "الواشية" فى كيف تشرح لأختها ولكنها لم تستطع أن تتركها تذهب وحيدة الى جحرها حيث ينتظرها الصقر ولا تستطيع أيضا ان تخبرها عن وشايتها إلى الصقر، ولكن عينها امتلئت بالدموع.. وعندها انتبهت الصيادة نحو وجه اختها العاجز عن الكلام  فبكاء الحيات شيىء غير مألوف فى عالم الثعابين- فالعادة هى أن تبكى الحية سما من فمها، ولم ينتهى الأمر عند هذا الحد فلقد سمعت الصيادة من لسان أختها آخر شيىء توقعت سماعه من حية! .. الصدق.. !!


 قالت "الواشية": لم أكن أعلم البر فيك، كنت أغار منك ومن أختى، هى كانت ماهرة فى التخفى والمراوغة حتى انها تتجول حرة فى ساعات النهار، وانت كنت سيدة الليل والصيد، وانا كنت الوحيدة فيكم التى لا تفلح فى أى عمل كنت أشعر انى وحيدة وسط اخوتى، كنت هكذا دوما و لكن ليس الليلة.. ليس الليلة ثم بكت ثانية!، تعجبت "الصيادة" من مشهد اختها و تسائلت هل ما يخرج من عينها ماء أم سم؟ ثم قالت هونى عليك يا أختى ولا تبتأسى.. لقد اقتربت إشراقة الشمس إذهبى إلى جحرك وارتاحى، قالت "الواشية": " لا لن أعرف الراحة حتى أموت أو تغفرى لى".

أجابتها "الصيادة": " انى أعرف الموت .. أعرفه مثلما تعرفه كل حية.. أما المغفرة" ثم زفرت نفسا باردا رطبا كما لو أن كلمات الجملة صارت أثقل من أن تنطق بها وعادت لتشهق و تبدأ جملة جديدة و عينها تتنقل بين الجبل الشرقى الذى ستشرق الشمس من خلفه وعين أختها وقالت فى عجالة:
"ماذا فعلت يستوجب المغفرة؟"

تجرعت الحية "الواشية" شيء من الحسرة قبل أن تقص على أختها حكايتها مع الصقر، كانت الأحداث ترويها بشكل متلاحق أمام أختها التى تجمدت مثل حجر أسود لا يتحرك فيها شيء سوى عيناها التى كانت تتنقل بين اختها ومنظر الجبل الشرقى.

وعندما انتهت "الواشية" نظرت الى اختها كمن تنتظر إجابة أو أن تخنقها وتقتلها ولكن الأخت الكبرى لم تتفوه بشيى فقط قالت :" لا بأس تأخر الوقت على مثل هذا الكلام.. ولقد اقترب شروق الشمس.. النجوم تنطفىء الآن فى السماء لقد تعبت الليلة .. إذهبى وارتاحى فى جحرك، وبدأت تسحب جسدها الأسود الطويل الذى التفت طياته بين الصخور.. نادتها "الواشية" لا تذهبى إلى جحرك لا تذهبى إلى هناك الصقر ينتظرك، لم تنبس الصيادة بأى كلمة كانت ملامح وجه الصيادة قاسية وجامدة و لم يكن من السهل على "الواشية" أن تتبين منها أى شيىء، ولكن قبل ان  تنصرف "الصيادة" من المكان عاد رأسها ليقضم ذيل اختها و دفعت كل سمها فيه حتى صار مثل قرن أبيض ثم انتفخ و تورم و صار مثل تمرة بيضاء، لم تتألم " الواشية " من عضة أختها فهذا الجزء من جسم الحية أقرب إلى الميت عنه إلى الحى و مع ذلك سئلتها: "لماذا؟"

أجابت "الواشية":

"  لا تقلقى لن يؤذيك السم أو يقتلك  ولكن يا أختى يا أغلى ما لدى أنت آخر من تبقى من عائلتى! ومع ذلك فإنت متهورة طائشة لا تحسنين اختيار أصدقائك وانى أخاف عليك .. وما من حيوان أخشى أذيته عليك أكثر منك! وهذا السم فى ذيلك سيمنحنى الطمأنينة فى نومى وأنا أعلم أن من سيسعى فى أذيتك سيكون فى ذلك هلاكه."

ابتسمت الواشية وودعت أختها وهى تقول: " يا ليتنى سمعت منك هذه الكلمات من قبل.. يا ليتنى احسنت الظن بك"

قالت "الصيادة" : "لا بأس لا بأس العبرة بالنهاية"

وانصرفت الصيادة وهى تتنقل فى خفة  بين ظلال الصخور الرمادية وهى تسرع فى زحفها، وتحركت الواشية متثاقلة تجر جسدها المنتفخ بالفئران الثلاث من وليمة الأمس وانزلقت فوق درجات سلم المسجد حتى بلغت شق جحرها فدخلت فيه متعبة منهكة من سهرة الأمس.

 ولكن جسدها كله لم  يدخل من فتحة الجحر وظل نصفه عالقا فى خارج الجحر، كانت متعبة ومنهكة فآثرت البقاء على هذا الوضع بعد أن دفعت نصفها الخارجى ليتدحرج فى البقعة التى تخفيها ظلال شجرة الصبار فى الصباح.

عندما لاحت أشعة الشمس ونجحت فى القفز فوق أسوار الجبل الشرقى، امتدت نحو مئذنة المسجد فأضائتها  وكشفت عن زخارف ومنحوتات بديعة كانت ظلال الليل قد أخفتها، فى هذه اللحظة انطلق الصقر مسرعا يحلق و يدور حول المسجد فى دوائر متداخلة سرعان ما التحمت و صارت دائرة واحدة بعد أن ثبت الصقر نظره على ركن متهدم من البناء، عند البوابة الصغيرة للمسجد، ففى تلك اللحظة  ومن مداره فى السماء كان يراقب الحية الراقدة على درجات السلم، ووجدها تماما كما وعدته الحية "الصيادة" – ترقد خارج الجحر.

 ادار الصقر جناحيه لينزلق هابطا نحو درجات السلم وهو يردد هذه الكلمات التى تبعثرت حروفها فى السماء الواسعة" أخيرا أيتها الواشية نلتقى وجها لوجه" وما أن أن بلغ الصقر درجات سلم مدخل المسجد حتى وجد الحية ساكنة فى غير حراك فقفز نحوها و حاول أن ينتزعها و يحمله بمخالبه متمسكا بالجزء المنتفخ من جسمها،حتى ذعرت الحيه وحاولت دفع جسدها داخل الجحر و بالفعل انحشر جزء من جسمها المنتفخ عند مدخل الجحر فعجز الصقر عن جذبها وهو محلقا، فهبط ثانية نحو الأرض و أمسك برأسها الأبيض الصغير الذى كان يتدلى من خارج الجحر – أو ما ظن الصقر أنه رأس أبيض صغير مغمض العينان ولكنه فى الحقيقة كان ذيلها المنتفخ بفعل سم الحية "الصيادة"- قضم الصقر طرف الذيل بمنقاره وغرز مخالبه فى درجة السلم و أخذ يجذب الحية من ذيلهه وهى تقاومه.

وفجأة سالت دماء الحية بيضاء اللون حارة و لزجة فى منقار الصقر، كان مذاقها كريه مرير – على غير ما تذوقه الصقر مع الحية "الخادعة"- سريعا قذف الصقر ذيل الحية بعيدا عنه، وهو يحاول أن يفهم ما هذا الطعم الغريب الذى يملأ فمه الآن، أخذ يراقب الحية وهى تحاول حشر نفسها داخل الجحر دون أن يبالى فلقد تحول الطعم المر  إلى شيىء مؤلم أخذ يتسرب إلى كل مكان فى جسم الصقر ، وأصبح الصقر يحاول الآن جاهدا أن يبقى نفسه واقفا فوق درجة السلم و فجأة سقط من على درجة السلم و تدحرج حتى تعثرت ريشاته واختلطت بتراب الأرض وافترشت أجنحته الأرض فى عجز تام، و تعلقت عيناه الحادتين بحية أخرى ظهرت من بين الشقوق و ظلال الصخور واقتربت منه و هى تهمس فى أذنه قائلة:

"أنا الصيادة ولكنى لست حمقاء أو واشية.. ولا أخرج إلا لأصطاد.. اعلم يا سيد السماء أن العاقل الراشد كان ليتجنب شجارا بين حيّتان وما كان ليدفع بنفسه وسط شجار الأفاعى أملا فى منفعة- نحن معشر الحيات يجمعنا شيىء أقوى من الدم"

رفع الصقر بصره ولكنه لم يقوى على الكلام و ترقرقت عيناه بتعجب ودموع فبدى كما لو أنه يسئلها "ماذا؟"

قالت الصيادة: "السم يا أحمق"

وهنا ابتسمت الصيادة ابتسامة ماكرة لمعت فى عين الصقر مثل نجمة وحيدة فى سماء من ليل سرعان ما انتشر ظلامه وسكونه حول عالم الصقر.

عندما سمعت الحية الواشية كلمات أختها تتردد فى الخارج تشجعت و دفعت بجسدها نحو الخارج حتى أطلت برأسها و شاهدت المشهد فى الخارج، كانت الحية الصيادة تنثنى بكسل وهى تنظر نحو درجة السلم الأخيرة ومن أمامها ظهرت ريشات جناح صقر عظيم امتدت مفتوحة على الأرض الترابية فى سكون وسلام.

سئلت "الواشية" أختها فى بلاهة : هل أنت من قتله؟  ردت الصيادة :" لا أعرف.. لقد وجته ملقى هنا أمام جحرك ، اما أنه قد سقط من السماء أو أنت من قتله،" قالت الواشية " لا لم يسقط لقد كان يحاول اصطيادى" قالت الصيادة مبتسمة: "اذا فهذا الشرف لك.. لا تقللى من نفسك  ثانية" من اليوم انت صيادة الصقور."

الأحد، 15 أبريل 2012

الصقر و الحيات الثلاث(الجزء الثانى)

جاءت الواشية ومن بئر المئذنة نادت عليه بهسيسها الذى يميزه الصقر وسئلته "هل عهدنا قائم؟".. فأجابها: " طبعا طبعا .. وإنى انتظر هذه الزيارة منذ زمن .. فهلا صعدت وتكلمت معى بالأعلى حتى أراك .. ألسنا أصدقاء ؟"
فقالت الحية: "أنا الواشية ولكنى لست حمقاء.. لو خرجت لك لأكلتنى.. وأنا أعلم هذا يقينا.. ولكن ان كنت تريد أن تأكل حية فسوف أساعدك على هذا"
فقال الصقر: "حسننا أيتها الواشية..كيف السبيل إلى أختك؟"

قالت الحية: " إنها ليست مثل المخادعة تخرج نهارا، وهى أكبرنا حجما وأطيبنا طعما ولا سبيل لها إلا أن أخبرك بمحان جحرها ، فنتنتظرها هناك عند شروق الشمس، فذلك الوقت الذى تعود فيه إلى الجحر بعد ليلة صيد، وسوف تكون متعبة ومثقلة بوزن الطريدة، فتستطيع أن تباغتها و تنقض عليها.
قال الصقر: وأين جحرها؟ فعاد هسيس الحية ليرتفع فى جوف المئذنة عندما قالت: " عند مدخل المسجد توجد صخرة عظيمة، تقع أمام المسجد مباشرة وأسفل تلك الصخرة تقضى أختى نهارها"
قال الصقر:" حسنا.. أعدك أن الصيادة لن تزعجك أ تضايقك ثانية"
وفى اليوم التالى خرج الصقر إلى حيث أشارت الحية، وانتظر الحية أن تعود إلى جحرها و بالفعل رآها تزحف متباطئه تستند الى الجدار وهى فى طريقها نحو الصخرة، كان الصقر يراقبها فى صمت وكانت هى تتحرك فى كسل فلم تنتبه له، وفى اللحظة التى صارت فيها الحية أمامه مباشرة و فى متناول ضربة جناحيه.. لم يقفز الصقر فى الهواء ولكنه سكن فى مكانه و ظل يراقب الحية حتى اختفى ذيلها تحت الصخرة دون أن يتحرك أو يؤذيها.
فلقد عصفت فى ذهنة فكرة ألزمته مكانه" ماذا سيحدث لو اصطادها اليوم.. من سيشى بالحية الواشية.. انه اليوم يعرف سر الصيادة ولكن أحدا لم يخبره بسر الواشية كما |أن ثلاث حيات أفضل بكثير من اثنتان وهو بالطبع لا يريد أن يصبح صديقا لحية لم يرها من قبل"
فى ذلك الصباح عاد الصقر الى عشه جائعا وظلت الأفكار تملأ رأسه. كيف السبيل إلى الواشية؟ وماذا سيخبرها عندما تسئله عن أختها؟
عندما غابت شمس ذلك اليوم سمع الصقر هسيس الحية الواشية؛ تسئله لماذا لم يصطاد الحية الكبيرة؟ وسريعا قفزت الإجابة فى رأس الصقر، فادّعى انه ذهب إلى حيث أشارت ولكنه لم يجدها بالرغم من انتظاره عند الصخرة لفترة طويلة!
تعجبت الحية و قالت كيف هذا! هل انتظرتها عند مدخل المسجد الكبير؟
قال الصقر: " لقد طلبت منى انتظارها عند مدخل المسجد و لم تذكرى شيئا أو تحددى اذا كنت تقصدين مدخل المسجد الكبير أم الصغير، وظننت أنك تعنين المدخل الصغير فهو أكثر تهدما وتتناثر حوله الحجارة و الصخور"
فقالت الحية: "اووه.. حسننا .. انها تعيش عند المدخل الكبير تحت الصخرة الكبيرة التى تقع تماما تحت المدخل، قالت الحية هذه الكلمات ثم اختفى صوتها دون أن تطق بكلمة ثانية فلقد كانت فى شدة الغضب.
لم يجد الصقر قد عثر بعد على حيلة ليقنع الحية الواشية فى أن تتسلق المئذنة و تصعد له غير أن يدعى أن به ضعف فى السمع، وفى مساء اليوم التالى جاءت الحية الواشية و سئلته لماذا لا تزال أختها الصيادة تتجول منتصرة فى ساحات المسجد؟ فقال الصقر: "ارفعى صوتك انى بالكاد أسمعك أو اصعدى الى الأعلى لعلى أتبين كلماتك"
فقالت الحية: "أنا الواشية ولكنى لست حمقاء.. لو خرجت لك لأكلتنى.. وأنا أعلم هذا يقينا.. ولكن ان كنت تريد أن تأكل حية فلقد ساعدتك و دللتك على جحر أكبر الحيات"



قال الصقر: " حسننا أيتها الواشية لقد هبت اليوم عند مدخل المسجد الكبير و تبرصت بالصخرة الصغيرة و لكنى لم أجد شيئا"، أجابته الحية مغتاظة: " عن أى صخرة صغيرة تتحدث.. أن لم أقل أبدا أنها تعيش تحت أى صخرة صغيرة. ولكنى قلت انها أكبر صخرة و تقع تماما تحت مدخل المسجد"، قال الصقر: عذرا ان سمعى ضعي وليس بقوة بصرى.. إذن فانت تتحدثين الآن عن الصخرة الكبيرة وليست الصخرة الصغيرة" أجابته الحية فى صوت هادىء : "نعم" فقال الصقر: "فما لونها؟" - فقالت الحية: " هى صخرة مثل باقى الصخور، لا تختلف فى لونها عن أى من حجارة المسجد و لكنها أكبر تلك الحجارة"
قال الصقر : " الآن صرت اعرفها" .. .. لم تزد الحية فى كلماتها للصقر و اختفى صوت هسيسها و لم يبقى حول الصقر سوى رياح الليل تصطدم بحجارة المسجد و تنخرها محدثة أصوات كئيبة فى المساء.
فى تلك الليلة أدرك الصقر أن الحية الواشية لن تصعد له أبدا ولن يراها و ربما لن يفلح فى خداعها، وانه اذا اصطاد الحية الصيادة بالغد فلن يسمع صوت الواشية ثانية، وهنا قفزت فكرة جديدة إلى الصقر" قد لا تكون الصيادة واشية مثل اختها ولكنها ربما تشى لتحافظ على حياتها أو لتنتقم من أختها"

الخميس، 12 أبريل 2012

الصقر والحيات الثلاث (الجزء الأول)

...الصقر والحيات الثلاث...
الحيّة الواشية والحيّة الخادعة والحيّة الصيادة

كان أحد التجار يسير بتجارته فى قافلة من بيت المقدس يقصد القاهرة؛ مدينته. وفى منتصف الطريق هاجم بعض البدو وقطاع الطرق قافلته وسرقوا كل ما فيها و قتلوا كل رجال التاجر، ولكنه استطاع أن يفلت منهم فى صخب المعركة وهرب من اللصوص ونجا منهم فى ظلام ليل الصحراء- دون أن يفطن اللصوص إليه.

وعندما طلع عليه الصباح وجد نفسه ضائعا فى الصحراء الشاسعة وبعد ثلاثة أيام من السير بدون اتجاه، كاد أن يفتك  به العطش، حتى بلغ مكانا وجد عنده بئر قديم ومهجور لكنه كان ممتلأ بالمياه، وبجانب البئر كانت تنمو نخله قصيرة مثمرة، فنزل التاجر فى البئر وشرب من مياهه واغتسل وأكل من تمر النخله واحتمى تحت ظلالها من أشعة الشمس الحارقة ولم يغادر ذلك المكان فلم يكن معه أى شيىء يحمل فيه المياه من أجل الطريق وهكذا ظل هناك ينتظر أن يعثر عليه مسافر  فيحمله نحو المدينة، ولكن أحدا لم يأتى، فنذر التاجر لإن نجا من محنته وعاد إلى القاهرة لينفق نصف ماله فى بناء مسجد عظيم عند البئر والنخلة ليكون منارة للضالين فى الصحراء.

وبعد أيام من قسمه عثرت عليه احدى القوافل المتجه لمدينة القاهرة واصطحبوه معهم، ولما عاد وسط أهله، أصر التاجر على أن يبر بقسمه وينفق نصف ماله فى بناء مسجد عظيم عند ذلك البئر، وخرج العمال والبنائين من المدينة ومعهم النجارين وأهل الصنعة تتبعهم قافلة عظيمة تحمل قطع الحجر والرخام وعلى بعد أربعة أميال شرق القاهرة عند موضع البئر شرعوا فى بناء  ذلك المسجد كأبهى ما يكون عليه أى مسجد فى المدينة، فجعلوا فيه قبة ومئذنة وفناء واسع ضخم نقشوا حجارة أرضه بقطع من خرط الرخام الأبيض و الأسود و الأحمر، واكتمل البناء  وصار المسجد آية فى  العمارة والإنشاء ولكن أحدا لم يقم فيه الصلاة، فلقد كان المسجد بعيدا جدا عن المدينة والقرى المجاورة- ولم يرفع فيه الأذان سوى المسافرين أو رجال القوافل العابرة التى كانت تقصده للراحة وسقاية الدواب من ماء البئر.. حتى نضبت مياه البئر ولم تعد القوافل تتوقف عند ذلك المسجد فهو يبعد عن طريق التجارة والسفر.

فخرب البناء وتهدمت جدرانه بفعل عواصف الصحراء الترابية كما سقطت القبة وشرفات المسجد وقمة المئذنة ولكن ذلك لم يكن إلا فى أيام الحفيد الرابع للتاجر بعد مئة عام من وفاة التاجر وهو الوقت الذى تدور فيه حكاية الصقر والحيات الثلاث.
... ... ...

بعيدا .. بعيدا فى وسط الصحراء القاحلة، كانت أشعة الشمس الحارقة تمتد إلى كل مكان ما عدى بقعة صغيرة مليئة بظلال حجارة متناثرة لمسجد متهدم هجره البشر منذ سنين طويلة مضت، لم يكن أى أحد من ساكنى المكان الجدد يعلم أى شيء عن حكاية ذلك البناء أو من بناه.


كان كل من يعيش فى ذلك المكان القفر هم من الحيوانات و بالتحديد حيوانات الصحراء التى اعتادت على الاختفاء نهارا والتجول ليلا، بعيدا عن شمس الصحراء الملتهبة، ولذلك وجدت الحيوانات البرية فى أطلال ذلك البناء  جنة من ظلال تحميهم من أذى شمس الصحراء بالنهار وهكذا صار المكان مقصدا للعديد من الحيوانات الصحراوية، خاصة بعد ان اكتشف بعضها كهفا صغيرا مليئا بالمياه يقع أسفل صحن المسجد.

فى داخل شقوق حجارة المسجد عاشت عائلات من الفئران التى تستطيع أن تصل إلى كهف الماء القابع فى أعماق  الأرض، وفوق مئذنة المسجد المتداعية وضع الصقر عشا له و منه كان يراقب العالم، الأرض والسماء وكل شىء. عاشت هناك أيضا ثلاث حيات فى وسط أنقاض المسجد وكانت تتغذى على الفئران الضالة.

كانت الحيات ثلاثة أخوات تشبه كل منهن الأخرى ولكن الحب والوئام لم يسد بينهن ، فكانت كل واحدة تكره أختها وتحقد عليها، ولم يكونوا يتقاسمن أى شيء من طعام، وما ان تجتمع اثنتان منهن حتى يتحدثن بالسوء عن الأخت الغائبة.كانت احداهن تسمى الحية "الخادعة" والثانية تسمى "الواشية" وكانت أصغرهن أما الأخت الكبرى فتسمى "الصيادة".

لم يكن الصقر الذى عاش فوق قمة المئذنة يعلم شيئا عن أمر الحيات التى تعيش أسفل منه وسط صخور المسجد، فلقد كان ثلاثتهم ماهرين فى فنون المراوغة والتخفى ولم يكن أى منهم يتحر إلا فى ستار من ظلام الليل، حتى جاءت ليلة اشتد فيها الخلاف بين الحية "الواشية" والحية "الخادعة" وكان صوت الشجار و الصياح يسمع فى كل أرجاء البناء، فاختفت الفئران و هرعت إلى جحورها، واستيقظ الصقر من نومه فوق قمة المئذنة وتسائل إذا كان المسجد به كل تلك الحيات فلماذ لم يراهم من قبل و عزم أنه فى الصباح لن ينطلق للصيد وسيظل فوق المئذنة يحدق فى خرابات البناء ويقتنص تلك الحيات، ولكن فى اليوم التالى ظل الصقر منتظرا فوق المئذنة ولكنه لم يلحظ أى حية تتحرك فى الجوار حتى ظن أن ما سمعه بالأمس كان ظلا فى عقله.

ولكن الحية "الواشية" أرادت الانتقام من اختها "الخادعة" وتتخلص منها ولكن قتلها شيىء لا تقدر عليه، فذهبت تتحسس طريقها بين شقوق الصخور حتى وصلت قاع المئذنة واختبئت فى بئر المئذنة وصارت تهس وتنادى على الصقر من أسفل ولكن صوت هسيسها كان يتسلق  ظلام جوف المئذنة ويدوى عند قمتها فى أذن الصقر.

سمع الصقر ندائها و نظر فى البئر فلم يرى أى شيىء يتحرك ولكنه أيضا ما كان ليجازف ويسقط نفسه فى بئر مظلم قد لا يستطيع الخروج منه. فطلب من الحية أن تتسلق وتأتى له فيراها ويسمعها فهو يحب دائما أن يرى من يخاطبه!

فقالت الحية: "أنا الواشية ولكنى لست حمقاء.. لو خرجت لك لأكلتنى.. وأنا أعلم هذا يقينا.. ولكن ان كنت تريد أن تأكل حية فسوف أساعدك على هذا"

قال الصقر: "و كم حيه غيرك فى هذا المكان؟"

قالت الحية "الواشية": " نحن ثلاث حيات أخوات.. .. أنا والخادعة وكبيرتنا الحية الصيادة"

قال الصقر:" حسننا وماذا تريدين؟"

قالت "الواشية": "الصداقة.. وعهد الأمان فى مقابل أختى"

 قال الصقر:" اننى أبدا لم أرى أى منكم من قبل .. حسننا ولكن.." ثم صمت قليلا وحدث نفسه فقال: " يا لغباء معشر الحيات و هل يقتل الصقر إلا ما يراه؟" ثم عاد ليحدث الحية وقال : "ولكنى لا أراك ولم أرى أى من أخواتك من قبل؟" أجابته الحية: هذا لأننا لا نخرج إلا فى اليل عندما تكون نائما.. ولا نتحرك إلا فى ستار من ظلام الليل.. ولأن جلودنا سوداء مثل قلوبنا فإنك مهما حدقت فينا فى الظلام فلن ترانا!"

قال الصقر: " اذن فكيف سأحصل على اختك؟".. قالت :" نحن لا نخرج فى اليل أبدا إلا أختنا المخادعة.. تتحرك هنا وهناك فى ساعات النهار فوق صحن المسجد الرخامى".

قال الصقر: " كيف تفعل و انا لم أرها من قبل؟" – قالت: "هذا لأنها مخادعة وماكرة"- وأنا هنا لأطلعك على سرها: "توجد فى أرضية الصحن بلاطات رخامية مزركشة من حجر أسود وأبيض وأحمر، أما ما تفعله أختى فهى لا تضع بطنها أو تزحف إلا فوق الحجارة  السوداء، فهى تفعل ما تفعل وتتحرك كيف تشاء فى وضح النهار وأبدا لن يراها طائر من السماء أو صقر  راقد فوق مئذنة."

قال الصقر: " هى مخادعة بالفعل.. إنى أتسائل كم مرة خدعتنى تلك الماكرة!!"ثم نظر نحو فناء المسجد و حدق فى أركانه و عاد يلتفت نحو بئر المئذنة و قال: ولكن ان كانت تفعل هذا فلا سبيل لها أبدا"
اغتاظت الواشية من كلمات الصقر و قالت: " لا ليس بعد.. فهناك طريقة واحدة لكشف خدعتها!.. وهى أن تهبط  و تقف فى أحد أركان الصحن الأربع و تنتظرها فوق الأرض مباشرة و تخفض رأسك ما استطعت و أنت تراقب أى شيىء يتحرك فوق بلط الصحن الرخامى، فإذا جاءت أختى فسوف تراها من دون أن تراك، فخدعتها الناجحة قد منحتها  شيئا من الغرور.. وإذا لزمت مكانك دون أن تخفق بجناحيك فلن يشعر بك أحدهم"

شكر الصقر الحية وفى اليوم التالى فعل مثلما أمرته الحية واستطاع أن يقتنص الحية "الخادعة" وأكلها و كان مذاقها أطيب من مذاق أى فأر التهمه الصقر من قبل، وظل يحلم باليوم الذى يصطاد فيه "الواشية" و"الصيادة" ومرت أيام كثيرة كان الصقر يراقب فيها خرابات المسجد دون أن يلحظ أى حية، حتى جاءت ليلة  استيقظ الصقر فيها على صراخ الحيات و شجارها، وفى صباح اليوم التالى لم يغادر الصقر عشه وانتظر ان تأتيه احداهن وهو ما حدث.