الاثنين، 3 ديسمبر 2012

القنفذ وحصان الأمير


فى يوم مشمس صحو، خرج الأمير الصغير ليتنزه وسط حقول القمح الذهبية وهو يمتطى ظهر فرسه السريع "رعد"..كان "رعد" أو "رعد الأسود" كما يسميه الجنود هو أسرع فرس من بين كل خيول ملك مصر، لذلك لم يستطع أيًا من الحرس أو خيلهم الذين رافقوا الأمير فى نزهته أن يلحقوا به ما أن أسرع "رعد" و بدأ فى العدو.
تلك.. كلك.. .. تلك..كلك.. .. تلك.. كلك.. .. تلك..كلك.. ..
كان الطريق خاليا ولم يكن هناك أى شيىء ليوقف "رعد" عن العدو، أو يجعله يتمهل، فرعد يحب أن يرى الخيل تركض من خلفه ولا تكاد تلحق به، كما أحب الأمير أن يشعرأنه بعيد عن حرسه الشخصى الذى صاحبه فى كل مكان، ولكن فجأه! جذب الأمير الصغير لجام الفرس بقوة وهمزه آمرا إياه أن يتوقف، وفى الحال أطاع "رعد" أمر سيده دون أن يعرف السبب! ونظر إلى الخلف ليرى المسافة الطويلة التى كانت تفصل بينه وبين خيل الحراس وراقبها وهى تدنوا منه وعندما لاحظ رعد تناقص هذه المسافة شعر بالإنزعاج وهز رأسه ملتفتًا إلى الأمام ليرى ماذا كان يعترض الطريق ولكنه لم يرى فى الأفق أى شيىء.. .
حاول "رعد" أن يتلفت إلى الخلف ليطمئن على سيده ولكنه لم يستطع أن ينظر نحوه بسبب السرج الذى يحيط برقبته ولكنه  سرعان ما زال قلقه عندما شعر بيد الأمير الصغيرة تربّت برفق على رقبته السوداء.. فهدأ الفرس وعاد يلتقط أنفاسه وفجأة أدرك لم توقف به الأمير.
ففى أسفل الطريق وعلى بعد خطوتين من الحصان كان هناك قنفذ صغير يحاول عبور الطريق،  كانت هذه أول مرّه يرى الأمير قنفذًا ولم يكن يعرف أن وسط هذه الحقول الذهبية تًَعيش مثل تلك الكائنات البديعة تتنقل من حقل إلى حقل- وبالطبع لم يكن ليترك"رعد" يحطمه تحت أقدامه المسرعة، كان القنفذ  يتحرك ببطء و تؤده دون أن يشعر بأى خوف.
كان ذلك اليوم هو آخر مرة شاهد الأمير أو سمع صهيل فرسه رعد، الذى وقف يزمجر بغضب ويضرب بحافره الأرض أمام القنفذ ولكن القنفذ انطلق فى طريقه لا يسرع ولا يبطىء حتى غاب عن الأنظار وسط عيدان القمح الذهبية.
انتهت نزهة الأمير مبكرًا فمنذ تلك اللحظة لم يعد رعد يجرى وعاد الأمير إلى القصر وخيل الحراس تتباطأ فى خطاها لتلحق بخطى "رعد" المتكاسلة.. ومنذ ذلك اليوم امتنع رعد عن الطعام والشراب حتى أن رئيس اسطبلات الخيل قد أمر بأن يوسم بالجمر فى رأسه لعل ذلك يشفيه من الجنون ولكن دون أمل. تيبست عضلات الفرس وجفت أمعائه وأصابه الهزال الشديد وفارق الحياة دون أن يراه  الأمير الذى لم يعرف ماذا حدث فى ذلك اليوم؟ ولماذا تغير حال فرسه؟

وفى أحد الليالى شاهد الأمير حلما غريبا جفف أنهار حيرته، فلقد رآى نفسه وهو لا يزال أميرًا صغيرًا يمتطى "رعد" ويركض به وسط الحقول ومن خلفه الحراس وخيلهم لا تكاد تلحق بالفرس، ثم رآى نفسه وهو يأمر  الفرس ليتوقف حتى يعبر القنفذ، لم ينتب الفرس فى أول الأمر للقنفذ ولكن عندما نظر إلى الأسفل ورآه، لم يسمع الأمير  فرسه رعد يصهل كما اعتاد سماعه ولكنه رآه ينطق بلسان بشرى وهو يصيح فى القنفذ قائلا:
"تحرك أيّها البطىء!"
ثم شاهد القنفذ وهو يرفع رأسه فى بطأ وتكاسل وقال للفرس:
"وأنت أيّها السّريع!
فيم نفعتك سرعتك وعدوك وسط الحقول إذ جعلت ظهرك مطيّة للإنسان؟"
أذهلت الكلمات فرس الأمير. فعجز عن الرد وطأطأ برأسه نحو الأرض وهو يسمع القنفذ يتمتم بلسان بشرىّ ويقول:
"بطىء.. عجوز..ولكن ظهرى الملىء بالشوك لم ولن يمتطيه أحد!"
عندها عرف الأمير سر الحزن الشّديد الذى حلّ بفرسه حتّى مات، ومرت أيام كثير يحاول الأمير أن يكلم الخيول لكنه أبدا لم يتلقّى اجابة.

الأحد، 7 أكتوبر 2012

villa design


now i m not working on my next book volume, i have some problems in publishing it, in Egypt, but i m into upload some images of my recent architecture work to keep this blog alive, hope u like classic or post modern, this is a remaking design facade for an existing building , i used the same tech i used to with illustrated my book, i hope its work fine.

الأحد، 17 يونيو 2012

حكاية الغيلان الثلاثة(3)


يعرف أهل مدينة الشقوق السيد"بيـ نون"  كما يعرفه سكان منطقة الجحور ويكن له الجميع قدرا كبيرا من الحب والاحترام، فبالرغم من كونه حشره إلا أنه يمتلك شيئا من الحكمة والجنون معا.



تعرض السيد "بيـ نون" لحادث كسر فيه مفصل قدمه السادسة- وصارت حركته صعبه و مؤلمة ولم يعد يستطيع أن يطأ الأرض بقدمه المصابه، ولزم منزله لفترة من الوقت تجنب فيها العديد من الزيارات غير المرغوب فيها حتى أشار عليه أحد الأصدقاء بأن يذهب إلى شاطىء البحيرة ويدفن قدمه المصابه فلى رمالها الرطبة من الظهيرة وحتى غروب الشمس- وهى وصفة قديمة فى علاج مفاصل أرجل الحشرات المصابة، فكرات الكريستال الذهبية وبلورات الملح الأبيض التى تحيط بمياه البحيرة إذا ما جففت رطوبتها أشعة الشمس الذهبية فأنها تصبح علاج سحرى لكل أنواع الجروح والتقيحات وهناك كل أمراض الحشرات قد تشفى إلا الأطراف المقطوعة لا تنبت ثانية.



ولكن الأمر ليس بهذه السهولة فالطريق الى هناك رحلة محفوفة بالمخاطر من غالبة جذور شجرة الجوزاء حيث عاش السيد "بيـ نون"  عبر الطريق المكشوف وحتى شاطئ البحيرة و هى مسافة طويلة للغاية على حشرة مريضة تقف على خمسة أقدام، وهناك أيضا صخرة نهاية الطريق حيث تنتظر الغيلان الثلاث أى حشرة عابرة لكى تأكلها ان لم تعرف كيف تجيب عن السؤال الذى حير كل عالم الحشرات والقوارض، وعند البحيرة توجد التماسيح العملاقة التى لن تقتل خنفسا من أجل الطعام و لكن من  السهل أن تطحنه تحت أقدامها دون أن تشعر به أو تنتبه لصرخاته.

بالرغم من كل تلك الصعاب إلا أن السيد"بيـ نون" قرر أن يقوم بهذه الرحلة و يبدأها مع أول نجم ينطفئ فى سماء المساء حتى يبلغ شاطى البحيرة عندما تتعامد الشمس مع شجرة النسور[1].



ومن أجل تلك الرحلة أعد السيد"بيـ نون" ساق جذر صغيرة و يابسة أشبه ما تكون بالعصا التى يستخدمها العجائز من البشر، و تدرب لأيام كيف يلتقطها بقدميه الأماميتين واللتان أصبح يستخدمهما الآن كيدين تحمل إحداهما العصا بينما هو ينتصب كما لو كان واقفا على أربع أقدام بعد أن حلت العصى كقدم رابعة تحمل وزنه ليتمكن من رفع قدمه المصابه عن سطح الأرض.



قد نرى هذا الأمر شيىء عادى  قد يقدم عليه أى انسان مصاب فى قدمه و لكن بالنسبة لعالم الحيوان و الحشرات كانت تلك الحيلة فريدة و لم ترها الحيوانات من قبل و كانت تصاب بالدهشة فى كل مرة ترى السيد"بيـ نون" يسير منتصبا على أربع – وإحدى أرجله ليست حقيقية!! فكان يبدوا فى وقفته هذه مثل طائر قصير العنق عن حشرة خنفساء.



قضى السيد"بيـ نون" ليلته الأخيرة فى المنزل و هو ينام واقفا و كلما أفاق تمعن فى السماء يراقبها من خلال الفتحة الدائرية فى منتصف باب المنزل وهو يترقب أن يرى أول نجمة تنطفىء شعلتها فى السماء لتبدأ رحلته نحو شاطىء البحيرة.



[1]  وقت الظهيرة

جكاية الغيلان الثلاثة(2)





1-   السيد "بيـ نون"



فى تلك الفترة عاش خنفس صغير يدعى السيد"بيـ نون" (Mr. Bin-non)، كان السيد"بيـ نون" يسكن غابة جذور شجرة الجوزاء وبالتحديد داخل منزل صغير صنعه لنفسه عبارة عن ورقة توت قديمة ويابسة،  كان يضعها مثل باب المنزل ويسندها إلى جوار جزر شجرة الجوزاء.



والحقيقه أن منزل السيد"بيـ نون" لم يكن فيه أى حجرات أو أثاث كان فقط عبارة عن باب يغلقه خلفه و يقضى ليلته و هو يقف بين الباب و حائط الجذر، ومع ذلك كان بالفعل منزلا غريبا لا يفوقه غرابة سوى السيد"بيـ نون" نفسه، فهو لم يفتقد شيئا فى منزله العجيب سوى عين سحرية للباب ومقبض!



كان السيد "بيـ نون" يرى أن أهم ما يلزم المنزل هو باب المنزل، لا يهم كم يكون جحر الحيوان عميق أو متسع أو متوارى عن الأنظار فطالما لم يكن له باب فلن يكون منزلا حقيقيا.



طلب السيد "بيـ نون" من يرقه صغيرة أن تقضم فتحة فى منتصف باب منزله "ورقة التوت" ليصنع بها تلك العين السحرية التى طالما أرادها لباب منزله، وبالفعل فرغت اليرقة ثقبا دائريا فى منتصف ورقة التوت يشبه العين إلى حد كبير لكنها لم تكن سحرية، فلقد كانت الحيوانات التى لا يرغب السيد "بيـ نون" فى زيارتها لمنزله -(أو أمام منزله- حيث كان يفضل الخنفس استقبال ضيوفه بالخارج بحجة أن المكان بالداخل لا يكفى سوى لشخص واحد)- كانت كل تلك الحيوانات تراه و تعلم أنه موجود، فلقد قضمت اليرقه فتحة كبيرة كانت تظهر من خلفها السيد "بيـ نون" بوضوح!



ربما كان السيد "بيـ نون" مجنون كما تقول عنه الحيوانات وكنه لم يكن أحمقًا، ولذلك طلب السيد "بيـ نون" من عنكبوته صغيرة أن تنسج خيوطها داخل فتحة باب منزله،  و بعد أن فعلت صار السيد "بيـ نون" يستطيع  رؤية الضيوف غير المرغوب فيهم من خلال عين بابه التى أصبحت الآن سحرية بحق؛ يرى من فى داخل المنزل من يقف خارجة و تظل الحيوانات بالخارج تنتظر فى حيرة تطرق علىباب منزل السيد "بيـ نون" دون أن تتلقى استجابه وبعد أن يفتك بها مكلل الانتظار تعود أدراجها دون أن تعلم أن السيد "بيـ نون" قد رآها من حيث لم تراه ولزم منزله فى صمت مدعيا عدم وجوده.


قد يظن البعض أن السيد "بيـ نون" هو خنفس منعزل غير ودود يحب الابتعاد عن باقى الحيوانات ولكن الحقيقع عكس ذلك تماما.. .. نعم .. بالفعل الخنافس حشرات إنطوائية- انعزالية- خاصة تلك ذات الدروع السوداء و البنية، فعندما تقابل حشره أحد الخنافس و حيّته فإما أن يلقى عليها الخنفس نظرة احتقار أو اشمئزاز وبالطبع لا يرد عليها التحيّة- أو أن يزيد فينقلب على ظهره مدعيا الموت.. نعم كل الخنافس يجمعها هذا الطبع ولكن ليس السيد "بيـ نون" فهو حشرة ودودة وإجتماعية، محبوب من الجميع وله أصدقاء من كل أجناس التى تستطيع رؤيته! - فـ"بيـ نون" خنفس صغير فى حجم عقلة اصبع طفل

حكاية الغيلان الثلاثة(1)


... الغيلان الثلاثة...



1-   صخرة على الطريق



فى نهاية الطريق الواقع بين مدينة الشقوق ومنطقة الجحور وبالجهة المطلة على شاطئ البحيرة الموحل كانت توجد صخرة صغيرة تقف تماما فى منتصف ذلك الطريق، كما لو كانت تعترضه، وبالفعل كانت هذه الصخرة تسبب حيرة كبيرة للطريق وللمارة فيه من الحيوانات والحشرات الزاحفة.



 كانت الحيوانات  كثيرا ما تتوقف أمام تلك الصخرة لتقرر هل ستنعطف نحو اليمين أم ستتخذ اتجاه اليسار؟ فمن بعد الصخرة لا يمكن للحيوان العابر أن يستمر فى سيره قدما  نحو الأمام ليصل إلى الشاطئ، فالسير فى الطريق المكشوف لبعض الحيوانات الصغيرة يعتبر مصدرا للأمان بعض الشىء، وعندما أتحدث عن الحيوانات الصغيرة فأنا أعنى الحيوانات الصغيرة للغاية من حشرات ودواب الأرض الزاحفة و التى لا تهتم لها الطيور الكبيرة و الجوارح.



ولكن الطيور الكبيرة قد تهتم بالزواحف و الفئران والتى بدورها تعيش فى مدينة الشقوق و منطقة الجحور وتخشى الخروج إلى الطريق المكشوف خوفا من الطيور المحلقة فى السماء منتظرة أى لحظة حاسمة لكى تنقض على فأر عابر أو ثعبان زاحف. ولكن عندما تقرر الحشرة الصغيرة أن تنعطف حول الصخرة جهة اليمين أو اليسار فهذا يجعلها بعض الشىء تعبر فى أرض الشقوق أو مملكة الجحور وهو ليس بالمكان الآمن للحشرات التى تراها بعض الحيوانات لذيذة.



قبل أن أمضى فى سرد هذه الحكاية يجب أن أوضح معنى كلمة لذيذة فى عالم الحيوان حتى لا تساء فهمها، فهى كلمة تختلف تماما فى المعنى عن مثيلتها فى عالم البشر.



فالبشر يسمون بعض الأطعمة لذيذة و الأخرى قد يقولون أنا مفيدة للجسم وضرورية وليست بحلاوة الأطعمة اللذيذة، ولكن الأمر مختلف بعض الشىء بالنسبة لعالم الحيوان، النظام الغذائى كله مختلف، فالبشر لديهم وجبات يومية، إفطار ، غداء وعشاء ولكن فى عالم الحيوان قد لا تحظى بعض الحيوانات بوجبة عشاء لأنها قد أصبحت وجبة عشاء لحيوان آخر. ويوجد نوعين فقط من الحمية الغذائية فى عالم الحيوان؛ أن تأكل أو تأكل



"To eat or to be eaten"



وأما الطعام اللذيذ بالنسبة لهم فهو ما يمتاز بصفتين ؛ أولهما أنه متحرك أو كان يتحرك قبل الأكل والصفة الثانية هى أن يكون أصغر من حجم الفم أو يمكن تقطيعه إلى قطع صغيرة أصغر من حجم الفم أو يمكن ابتلاعه .. .. ربما  منذ زمن بعيد جدا كان نفس معنى كلمة لذيذ لدى الحيوان يستخدم لدى البشر ولكن بالتأكيد كان هذا قبل أن يكتشف الإنسان سر الطهى والطبخ وهو أمر لم تتعلمه الحيوانات بعد.!!



كذلك لم تتعلم الحيوانات كيف تتعامل مع مشكلة الصخرة التى تقف فى نهاية الطريق المكشوف، خاصة بعد أن تطورت هذه المشكلة وأصبحت مصدر معاناة وألم لكثير من الحيوانات المارة التى تستخدم هذا الطريق، وبالنسبة للحشرات الزاحفة  .. كانت معاناتهم مميتة مع تلك الصخرة.



2-   الإجابة الخاطئة



فى آخر أيام حكم الملك "كـا-رون" سيد نسور البحيرة، اعتادت ثلاثة من الضفادع الضخمة أن تجلس فوق الصخرة وتظلان هناك منذ غروب الشمس وحتى الساعات الأولى من شروق شمس الصباح.



كانت الضفادع الثلاث شديدة القبح و ربما كان أبشع ثلاث كائنات قد تقع عليهم العين، فكانت تزهد فيهم الثعابين والضوارى وتخشى الاقتراب منهم من بشاعة هيئتهم، ولقد زاد هذا الأمر سوءا فى حالهن، فلقد طالت أعمارهم و تضخمت أجسادهم حتى أصبحن ثلاث ضفادع عملاقة ترى من أى مكان وصارت الحشرات تسميها الغيلان الثلاث، أما ذكور الضفادع ذات أصوات الغناء القبيحة، فلطالما تجنبت هذه الثلاث ضفادع و عزفت عن الاقتراب منها و التودد إليها و هكذا لم تتزوج أى من الثلاث من بنى جنسها، وعاش ثلاثتهم عمرا طويلا دون أن تستمع أى منهن إلى كلمة طيبة من أى حيوان صديق كان أو عدو و كان الجميع يتحاشاهم.



ولقد سبب هذا الأمر لهن حزنا عميقا لم تفهمه أو تدرحه أى من كائنات البحيرة، فطوال حياة الثلاث لم تحظى أى منهن بأى صحبة سوى صحبة الثلاث ولكن حتى هذه الصحبة و الرفقة لم تكن سببا فى سعادة أى منهن بل كانوا يرون أنفسهن المنبزذات الثلاث كما أسمتهم الزواحف ولم يجدوا أى عزاء فى مأساتهم سوى ذلك الهاجس الذى سيطر على عقولهم، فلقد تنامت فى عقولهم فكرة أن كونهم غير جميلات فهذا بالتأكيد لا يعنى أنهن على نفس الدرجة من القبح، فبالتأكيد يوجد بينهن من هى قبيحة و من هى أقبح منها و تلك التى ستكون أقبح الثلاثة.



وهكذا صورت لهن هذه الفكرة أن احداهن ستكون أجمل من اثنتين وأخرى ستكون أجمل من الثالثة بينما ستظل احداهن من ستحتفظ بلقب الأقبح على الاطلاق. وفى هذه الفكره وجدت الضفادع شيئا من الترضية ولاقت القبول لدى ثلاثتهن، إلا أنهم لم يتفقوا على من منهن هى القبيحة ومن الأقبح ومن الأكثر قبحا على الاطلاق؟



وهكذا قرر ثلاثتهن ان يجلسن على الصخرة التى تعترض الطريق المكشوف الذى تستخدمه الحشرات الذاهبة الى البحيرة أو العائدة منها، وكلما مرت بهن حشرة استأذنوها فى لطف لتحكم بينهن.. من منهن هى القبيحة؟ ومن هى الأقبح منها؟ و من هى الأكثر قبحا؟

ولقد كانت الحيرة التى يتركها هذا السؤال فى أذهان الحشرات عظيمة جدا.. ولا يمكن مقارنتها بالحيرة التى يسببها سؤال:

"هل أتخذ المنعطف الأيمن وأسير عبر أرض مدينة الشقوق؟..أم هل أنعطف يسارا وأسير فوق تلال الجحور؟ "



وكانت الحشرات تقف أمام الثلاثة و تقضى ساعات طويلة تتنقل ببصرها بين وجوه الضفادع الثلاث تبحث عن أى علامة جميلة أو نتوء بارز أو غائر فى أجسامهن أو رؤوسهن العملاقة لتحدد أى منهن الأكثر قبحا.

وبعد فترة طويلة من التأمل تخرج الحشرة بحكمها النهائى و تقول:

" أنت القبيحة وأنت أقبح منها و أنت أقبح الثلاثة"



وكانت اثنتان فقط من الضفادع تسعد بهذه الإجابة بينما الثالثة  وهى صاحبة لقب أقبح الثلاثة فكانت تشعر بالظلم وة أن حكم الحشرة لم يكن عادلا و بسرعة كانت تقفز عاليا و تهبط فوق الحشرة و تلتهمها هى و حكمها وعقلها المريض الذى لا يستوعب معنى الجمال.



ولقد تكررت هذه الحوادث مع الكثير من الحشرات الزاحفة والتى لا يجيد أغلبه الكذب وكانت جميعها تدفع حياتها ثمنا لصدقها.



لقد تغيرت الاجابات وتنوعت الأحكام والأراء ومع ذلك كانت النتيجة تظل واحدة وهى أن تلتهم الضفدعة الأقبح الحشرة الحكم أيا من كانت هذه الضفدعة. وفى كل مرة كانت حشرة جديدة ترى شيئا قبيحا لم تلمحه الحشرة التى سبقتها ومن ثم تفقد حياتها ثمنا لهذا الاكتشاف.



حاولت بعض الحشرات الفطنة أن تتهرب من الإجابة أو أن ترفض وكانت تلك أيضا تدفع ثمن ذلك حياتها حتى تلك الحشرات المسكينة التى ادعت أنها عمياء و لا تبصر.



حاولت الخنافس أن تستنجد بالسحالى الضخمة لكى تنقذها من الضفادع الثلاث ولكن الخنافس التى نجت من التهام السحالى عادت لتخبر رفاقها  بأن السحالى رفضت مساعدتهم وقالت:



" ليس من الممكن أن تأكل السحلية حيوانًــــــا تخشى النظر إليه من فرط قبحه!!.."



وهكذا أصبح الطريق المكشوف ذو نهاية مميتة فى عالم الحشرات و صغار الحياوانات، ولم يعد السؤال الذى تتناقله الحشرات الزاحفة عن أى الضفادع هى الأقبح و صار السؤال الذى يعصف برؤوس الحشرات الصغيرة عن الإجابة التى قد تقولها حشرة و تظل محتفظة برأسها من بعدها..

the white snake "Hees"

الخميس، 3 مايو 2012

الخميس، 26 أبريل 2012

الخميس، 19 أبريل 2012

الفيوم ارض السحر و الغموض- فى شم النسيم

بالرغم من ن الطقص كان سيىء و الدنيا كانت زحمة- بس كانوا مبسوطين و بيستمتعوا بوقتهم.. الفرحة هى ان الواحد ينبسط عشان بس السعادة هى ان الواحد ينبسط بالرغم من..!

رحلة الى الفيوم أرض السحر الغموض


Before Photoshop


After photoshop



Land of magic  and !...
 

الاثنين، 16 أبريل 2012

الصقر و الحيات الثلاث (الجزء الثالث و الأخير)

فى صباح اليوم التالى وبعد أن انتصفت شمس الظهيرة، ذهب الصقر إلى بوابة المسجد الكبير وجلس فوق قمتها وهو يراقب صخرة الحية الصيادة، وانتظر هناك  حتى تحركت الشمس وجعلت ظلاله ترتسم أمام مدخل جحر الصيادة.

وهنا بدأ يضرب الهواء بجناحية ليجعل الحية ترى ظلاله وتنتبه لصوت أجنحته. وبالفعل فى ذلك الوقت كانت الحية نائمة ولم ترى الظلال ولكن صوت تصفيق الأجنحة أخافها فلم همت تخرج وتنظر ماذا بالخارج؟ - شاهدت ظلال الصقر تتراقص أمام جحرها فامتلأت رعبًا وكمنت فى مكانها مجفلةً - ولكن منتبه كما أراد الصقر.

فى ذلك الموقف استمعت الحية إلى حديث صقران ميزت ظل أحدهما ولكن الآخر لم تستطع ملاحظته دون الخروج من الجحر- "ربما كان ظله يمتد فوق الصخرة !"- كان كلا الصقران يتحدثان حديثا مرعبا عن وليمة من حية كبيرة تعيش أسفل صخرة بالمسجد، ولكنهما بعد لا يعرفان مكان تلك الصخرة- ومع ذلك فلا توجد مشكلة - فهذه الحية لها أخت تكرهها و تحدثت الى أحد الصقور بأنها سوف تخبره بمكانها بعد ثلاث أيام.

قال أحد الصقور ولماذا لا نأكل تلك الأخت أيضا عندما تأتى لتخبرنا؟  فأجابه الصقر الآخر بأنها جاءته عند غروب الشمس وتحدثت إليه من بئر المئذنة فلم يرها- وهكذا حفظت حياتها فالصقور لا تأكل ما لا تراه- قال أحد الصقور" يا لها من حية ماكرة- هل من سبيل نصطادها به؟" رد الآخر قائــلا: " طالما كان ذلك فى وقت الغسق المظلم ولم تتسلق المئذنة فلا سبيل لها"

ثم عادوا يتحدثون عن الحية الكبيرة التى سوف يصطادونها بعد ثلاثة أيام و يقيمون عليها الوليمة، وذكروا أنها تدعى الصيادة واختلفوا بينهم فيمن سيأكل الذيل ومن سيأكل الرأس،  ثم تشاجرا وحلّقا بعيدا ولم تسمع الحية بقية نقاشهم المخيف.

شعرت الحية "الصيادة " بدناءة  و وضاعة أختها  "الواشية"- ثم قالت: "هذا هو طبع الواشية.. وربما كانت هى من دلّت الصقور على الحية الخادعة" وقررت الانتقام ، فذهبت فى ظلام تلك الليلة إلى قاعدة المئذذنة وتسربت إلى جوفها من بين الحجارة المتناثرة من حولها، ونادت على الصقور فلم يجبها سوى صقر واحد!

 فأخبرته أنها الحية "الصيادة" و جاءت تدله على حية لذيذة.. فسئلها الصقر "و أين سأجــــدها؟" فوصفت له مكان جحر أختها "الواشية" وأنها تعيش فى شق فى درجات السلم الموجود أملم باب المسجد الصغير.. ثم صمتت لحظة وقالت : تماما عند الدرجة الوسطى من الدرجات الثلاث تكاد تخفى مدخل الشق شجرة صبار لها ثلاث قرون.. لا يوجد فأر قد يخطىء ذلك المكان بعد هذا الوصف"
قال الصقر: " صدقتى أيتها الصيادة.. لن أخطئه.. ولكن اذا كان هذا هو مكان جحرها وهى تختبىء فيه فلا سبيل لى معها.. لا يستطيع الصقر أن  يخرج حية من جحرها؟"

قالت الحية: "فى صباح الغد سوف تجد الحية الواشية ترقد متعبة أمام جحرها ولن تستطيع أن تدخل جوف الجحر أو الاحتماء داخله"
قال الصقر: "كيف؟" لم تجبه الحية و اكتفت أن قالت: " فى الصباح لن يسعها جحر ولن يكون لها ملاذ من صديقها الصقر" وانصرفت دون الاجابة عن اسئلة الصقر المتتالية و تركته فى عشه ينتظر شروق الشمس فى غير صبر.
فى تلك الليلة انخرطت "الصيادة" فى عدة مطاردات مع فئران المسجد حتى أثارت الرعب والجلبة بين كل حيوانات وقوارض المسجد، فى العادة كانت الحية الصيادة تكتفى بفأر واحد  فى الليلة. ولكن فى هذه الليلة قامت "الصيادة" بصيد ثلاث فئران كبيرة الحجم!!!  وحملتهم وهى تجرهم من ذيولهم نحو جحر الحية "الواشية"

كانت "الواشية" تراقب اختها الكبرى وهى تزحف نحوها وتجر ثلاث فئران من ذيولهم ، نظرت "الواشية" بحقد نحو أختها وعضت على شفتيها حتى لا تخرج الكلمات التى تتنقل بين فمها وعينيها محاولة الخروج " ليلة جديدة أفشل فيها فى صيد فأر واحد وها هى أختى الخبيثة تأتى لتغيظنى  بفئرانها الثلاث.. انى اتسائل هل ضاق المكان فلم تجد سوى عتبة منزلى فتتناول الغبية عشائها فية؟".. ..  وثبتت عينها الحقودة نحو أختها الكبرى وقالت : "قريب ستكونين أنت الطريدة!!"

وما أن وصلت "الصيادة" بأنفاسها اللاهثة والمتقطعة حتى حيت اختها وعرضت عليها الصلح، فى البداية تمنّعت الحية "الواشية" لكن بعد أن سئلتها "الصيادة" أن تتقبل  هديتها (الفئران الثلاثة) كترضية منها وافقت سريعا الحية الواشية فلقد كانت فى قمة الجوع وسرعان ما شاركت اختها الوليمة فهى ليست بمهارة أختها فى الصيد و لم تحظى أبدا بمثل تلك الوليمة، وصارت تبتلع الفئران واحدا تلو الآخر حتى امتلأت بطنها وتباعدت حراشفها حول بطنها  المنتفخة التى صارت الان مثل حجر أسود عظيم وفى النهاية سئلت أختها لمذا لم تتناول أى شىء من الطعام ؟ أجابتها "الصيادة " قائلة : "  كنت عازمة على هذا و لكن عندما رأيت ما بك من جوع فضلت أن تشبعى أنت .. أما أنا فسأتدبر أمرى فى الغد"  ثم قالت: " ربما أعثر على أحد الفئران فى طريقى الى جحرى" قالت الحية "الواشية": " جحرك!!" .. أرجوك لاتذهبى إلى هناك واقضى النهار معى فى الجحر لدى متسع من المكان يكفينا معًا!"

قالت "الصيادة": " ولماذ أقضى النهار عندك؟..لماذا يا أختى؟".. ترددت الحية "الواشية" فى كيف تشرح لأختها ولكنها لم تستطع أن تتركها تذهب وحيدة الى جحرها حيث ينتظرها الصقر ولا تستطيع أيضا ان تخبرها عن وشايتها إلى الصقر، ولكن عينها امتلئت بالدموع.. وعندها انتبهت الصيادة نحو وجه اختها العاجز عن الكلام  فبكاء الحيات شيىء غير مألوف فى عالم الثعابين- فالعادة هى أن تبكى الحية سما من فمها، ولم ينتهى الأمر عند هذا الحد فلقد سمعت الصيادة من لسان أختها آخر شيىء توقعت سماعه من حية! .. الصدق.. !!


 قالت "الواشية": لم أكن أعلم البر فيك، كنت أغار منك ومن أختى، هى كانت ماهرة فى التخفى والمراوغة حتى انها تتجول حرة فى ساعات النهار، وانت كنت سيدة الليل والصيد، وانا كنت الوحيدة فيكم التى لا تفلح فى أى عمل كنت أشعر انى وحيدة وسط اخوتى، كنت هكذا دوما و لكن ليس الليلة.. ليس الليلة ثم بكت ثانية!، تعجبت "الصيادة" من مشهد اختها و تسائلت هل ما يخرج من عينها ماء أم سم؟ ثم قالت هونى عليك يا أختى ولا تبتأسى.. لقد اقتربت إشراقة الشمس إذهبى إلى جحرك وارتاحى، قالت "الواشية": " لا لن أعرف الراحة حتى أموت أو تغفرى لى".

أجابتها "الصيادة": " انى أعرف الموت .. أعرفه مثلما تعرفه كل حية.. أما المغفرة" ثم زفرت نفسا باردا رطبا كما لو أن كلمات الجملة صارت أثقل من أن تنطق بها وعادت لتشهق و تبدأ جملة جديدة و عينها تتنقل بين الجبل الشرقى الذى ستشرق الشمس من خلفه وعين أختها وقالت فى عجالة:
"ماذا فعلت يستوجب المغفرة؟"

تجرعت الحية "الواشية" شيء من الحسرة قبل أن تقص على أختها حكايتها مع الصقر، كانت الأحداث ترويها بشكل متلاحق أمام أختها التى تجمدت مثل حجر أسود لا يتحرك فيها شيء سوى عيناها التى كانت تتنقل بين اختها ومنظر الجبل الشرقى.

وعندما انتهت "الواشية" نظرت الى اختها كمن تنتظر إجابة أو أن تخنقها وتقتلها ولكن الأخت الكبرى لم تتفوه بشيى فقط قالت :" لا بأس تأخر الوقت على مثل هذا الكلام.. ولقد اقترب شروق الشمس.. النجوم تنطفىء الآن فى السماء لقد تعبت الليلة .. إذهبى وارتاحى فى جحرك، وبدأت تسحب جسدها الأسود الطويل الذى التفت طياته بين الصخور.. نادتها "الواشية" لا تذهبى إلى جحرك لا تذهبى إلى هناك الصقر ينتظرك، لم تنبس الصيادة بأى كلمة كانت ملامح وجه الصيادة قاسية وجامدة و لم يكن من السهل على "الواشية" أن تتبين منها أى شيىء، ولكن قبل ان  تنصرف "الصيادة" من المكان عاد رأسها ليقضم ذيل اختها و دفعت كل سمها فيه حتى صار مثل قرن أبيض ثم انتفخ و تورم و صار مثل تمرة بيضاء، لم تتألم " الواشية " من عضة أختها فهذا الجزء من جسم الحية أقرب إلى الميت عنه إلى الحى و مع ذلك سئلتها: "لماذا؟"

أجابت "الواشية":

"  لا تقلقى لن يؤذيك السم أو يقتلك  ولكن يا أختى يا أغلى ما لدى أنت آخر من تبقى من عائلتى! ومع ذلك فإنت متهورة طائشة لا تحسنين اختيار أصدقائك وانى أخاف عليك .. وما من حيوان أخشى أذيته عليك أكثر منك! وهذا السم فى ذيلك سيمنحنى الطمأنينة فى نومى وأنا أعلم أن من سيسعى فى أذيتك سيكون فى ذلك هلاكه."

ابتسمت الواشية وودعت أختها وهى تقول: " يا ليتنى سمعت منك هذه الكلمات من قبل.. يا ليتنى احسنت الظن بك"

قالت "الصيادة" : "لا بأس لا بأس العبرة بالنهاية"

وانصرفت الصيادة وهى تتنقل فى خفة  بين ظلال الصخور الرمادية وهى تسرع فى زحفها، وتحركت الواشية متثاقلة تجر جسدها المنتفخ بالفئران الثلاث من وليمة الأمس وانزلقت فوق درجات سلم المسجد حتى بلغت شق جحرها فدخلت فيه متعبة منهكة من سهرة الأمس.

 ولكن جسدها كله لم  يدخل من فتحة الجحر وظل نصفه عالقا فى خارج الجحر، كانت متعبة ومنهكة فآثرت البقاء على هذا الوضع بعد أن دفعت نصفها الخارجى ليتدحرج فى البقعة التى تخفيها ظلال شجرة الصبار فى الصباح.

عندما لاحت أشعة الشمس ونجحت فى القفز فوق أسوار الجبل الشرقى، امتدت نحو مئذنة المسجد فأضائتها  وكشفت عن زخارف ومنحوتات بديعة كانت ظلال الليل قد أخفتها، فى هذه اللحظة انطلق الصقر مسرعا يحلق و يدور حول المسجد فى دوائر متداخلة سرعان ما التحمت و صارت دائرة واحدة بعد أن ثبت الصقر نظره على ركن متهدم من البناء، عند البوابة الصغيرة للمسجد، ففى تلك اللحظة  ومن مداره فى السماء كان يراقب الحية الراقدة على درجات السلم، ووجدها تماما كما وعدته الحية "الصيادة" – ترقد خارج الجحر.

 ادار الصقر جناحيه لينزلق هابطا نحو درجات السلم وهو يردد هذه الكلمات التى تبعثرت حروفها فى السماء الواسعة" أخيرا أيتها الواشية نلتقى وجها لوجه" وما أن أن بلغ الصقر درجات سلم مدخل المسجد حتى وجد الحية ساكنة فى غير حراك فقفز نحوها و حاول أن ينتزعها و يحمله بمخالبه متمسكا بالجزء المنتفخ من جسمها،حتى ذعرت الحيه وحاولت دفع جسدها داخل الجحر و بالفعل انحشر جزء من جسمها المنتفخ عند مدخل الجحر فعجز الصقر عن جذبها وهو محلقا، فهبط ثانية نحو الأرض و أمسك برأسها الأبيض الصغير الذى كان يتدلى من خارج الجحر – أو ما ظن الصقر أنه رأس أبيض صغير مغمض العينان ولكنه فى الحقيقة كان ذيلها المنتفخ بفعل سم الحية "الصيادة"- قضم الصقر طرف الذيل بمنقاره وغرز مخالبه فى درجة السلم و أخذ يجذب الحية من ذيلهه وهى تقاومه.

وفجأة سالت دماء الحية بيضاء اللون حارة و لزجة فى منقار الصقر، كان مذاقها كريه مرير – على غير ما تذوقه الصقر مع الحية "الخادعة"- سريعا قذف الصقر ذيل الحية بعيدا عنه، وهو يحاول أن يفهم ما هذا الطعم الغريب الذى يملأ فمه الآن، أخذ يراقب الحية وهى تحاول حشر نفسها داخل الجحر دون أن يبالى فلقد تحول الطعم المر  إلى شيىء مؤلم أخذ يتسرب إلى كل مكان فى جسم الصقر ، وأصبح الصقر يحاول الآن جاهدا أن يبقى نفسه واقفا فوق درجة السلم و فجأة سقط من على درجة السلم و تدحرج حتى تعثرت ريشاته واختلطت بتراب الأرض وافترشت أجنحته الأرض فى عجز تام، و تعلقت عيناه الحادتين بحية أخرى ظهرت من بين الشقوق و ظلال الصخور واقتربت منه و هى تهمس فى أذنه قائلة:

"أنا الصيادة ولكنى لست حمقاء أو واشية.. ولا أخرج إلا لأصطاد.. اعلم يا سيد السماء أن العاقل الراشد كان ليتجنب شجارا بين حيّتان وما كان ليدفع بنفسه وسط شجار الأفاعى أملا فى منفعة- نحن معشر الحيات يجمعنا شيىء أقوى من الدم"

رفع الصقر بصره ولكنه لم يقوى على الكلام و ترقرقت عيناه بتعجب ودموع فبدى كما لو أنه يسئلها "ماذا؟"

قالت الصيادة: "السم يا أحمق"

وهنا ابتسمت الصيادة ابتسامة ماكرة لمعت فى عين الصقر مثل نجمة وحيدة فى سماء من ليل سرعان ما انتشر ظلامه وسكونه حول عالم الصقر.

عندما سمعت الحية الواشية كلمات أختها تتردد فى الخارج تشجعت و دفعت بجسدها نحو الخارج حتى أطلت برأسها و شاهدت المشهد فى الخارج، كانت الحية الصيادة تنثنى بكسل وهى تنظر نحو درجة السلم الأخيرة ومن أمامها ظهرت ريشات جناح صقر عظيم امتدت مفتوحة على الأرض الترابية فى سكون وسلام.

سئلت "الواشية" أختها فى بلاهة : هل أنت من قتله؟  ردت الصيادة :" لا أعرف.. لقد وجته ملقى هنا أمام جحرك ، اما أنه قد سقط من السماء أو أنت من قتله،" قالت الواشية " لا لم يسقط لقد كان يحاول اصطيادى" قالت الصيادة مبتسمة: "اذا فهذا الشرف لك.. لا تقللى من نفسك  ثانية" من اليوم انت صيادة الصقور."

الأحد، 15 أبريل 2012

الصقر و الحيات الثلاث(الجزء الثانى)

جاءت الواشية ومن بئر المئذنة نادت عليه بهسيسها الذى يميزه الصقر وسئلته "هل عهدنا قائم؟".. فأجابها: " طبعا طبعا .. وإنى انتظر هذه الزيارة منذ زمن .. فهلا صعدت وتكلمت معى بالأعلى حتى أراك .. ألسنا أصدقاء ؟"
فقالت الحية: "أنا الواشية ولكنى لست حمقاء.. لو خرجت لك لأكلتنى.. وأنا أعلم هذا يقينا.. ولكن ان كنت تريد أن تأكل حية فسوف أساعدك على هذا"
فقال الصقر: "حسننا أيتها الواشية..كيف السبيل إلى أختك؟"

قالت الحية: " إنها ليست مثل المخادعة تخرج نهارا، وهى أكبرنا حجما وأطيبنا طعما ولا سبيل لها إلا أن أخبرك بمحان جحرها ، فنتنتظرها هناك عند شروق الشمس، فذلك الوقت الذى تعود فيه إلى الجحر بعد ليلة صيد، وسوف تكون متعبة ومثقلة بوزن الطريدة، فتستطيع أن تباغتها و تنقض عليها.
قال الصقر: وأين جحرها؟ فعاد هسيس الحية ليرتفع فى جوف المئذنة عندما قالت: " عند مدخل المسجد توجد صخرة عظيمة، تقع أمام المسجد مباشرة وأسفل تلك الصخرة تقضى أختى نهارها"
قال الصقر:" حسنا.. أعدك أن الصيادة لن تزعجك أ تضايقك ثانية"
وفى اليوم التالى خرج الصقر إلى حيث أشارت الحية، وانتظر الحية أن تعود إلى جحرها و بالفعل رآها تزحف متباطئه تستند الى الجدار وهى فى طريقها نحو الصخرة، كان الصقر يراقبها فى صمت وكانت هى تتحرك فى كسل فلم تنتبه له، وفى اللحظة التى صارت فيها الحية أمامه مباشرة و فى متناول ضربة جناحيه.. لم يقفز الصقر فى الهواء ولكنه سكن فى مكانه و ظل يراقب الحية حتى اختفى ذيلها تحت الصخرة دون أن يتحرك أو يؤذيها.
فلقد عصفت فى ذهنة فكرة ألزمته مكانه" ماذا سيحدث لو اصطادها اليوم.. من سيشى بالحية الواشية.. انه اليوم يعرف سر الصيادة ولكن أحدا لم يخبره بسر الواشية كما |أن ثلاث حيات أفضل بكثير من اثنتان وهو بالطبع لا يريد أن يصبح صديقا لحية لم يرها من قبل"
فى ذلك الصباح عاد الصقر الى عشه جائعا وظلت الأفكار تملأ رأسه. كيف السبيل إلى الواشية؟ وماذا سيخبرها عندما تسئله عن أختها؟
عندما غابت شمس ذلك اليوم سمع الصقر هسيس الحية الواشية؛ تسئله لماذا لم يصطاد الحية الكبيرة؟ وسريعا قفزت الإجابة فى رأس الصقر، فادّعى انه ذهب إلى حيث أشارت ولكنه لم يجدها بالرغم من انتظاره عند الصخرة لفترة طويلة!
تعجبت الحية و قالت كيف هذا! هل انتظرتها عند مدخل المسجد الكبير؟
قال الصقر: " لقد طلبت منى انتظارها عند مدخل المسجد و لم تذكرى شيئا أو تحددى اذا كنت تقصدين مدخل المسجد الكبير أم الصغير، وظننت أنك تعنين المدخل الصغير فهو أكثر تهدما وتتناثر حوله الحجارة و الصخور"
فقالت الحية: "اووه.. حسننا .. انها تعيش عند المدخل الكبير تحت الصخرة الكبيرة التى تقع تماما تحت المدخل، قالت الحية هذه الكلمات ثم اختفى صوتها دون أن تطق بكلمة ثانية فلقد كانت فى شدة الغضب.
لم يجد الصقر قد عثر بعد على حيلة ليقنع الحية الواشية فى أن تتسلق المئذنة و تصعد له غير أن يدعى أن به ضعف فى السمع، وفى مساء اليوم التالى جاءت الحية الواشية و سئلته لماذا لا تزال أختها الصيادة تتجول منتصرة فى ساحات المسجد؟ فقال الصقر: "ارفعى صوتك انى بالكاد أسمعك أو اصعدى الى الأعلى لعلى أتبين كلماتك"
فقالت الحية: "أنا الواشية ولكنى لست حمقاء.. لو خرجت لك لأكلتنى.. وأنا أعلم هذا يقينا.. ولكن ان كنت تريد أن تأكل حية فلقد ساعدتك و دللتك على جحر أكبر الحيات"



قال الصقر: " حسننا أيتها الواشية لقد هبت اليوم عند مدخل المسجد الكبير و تبرصت بالصخرة الصغيرة و لكنى لم أجد شيئا"، أجابته الحية مغتاظة: " عن أى صخرة صغيرة تتحدث.. أن لم أقل أبدا أنها تعيش تحت أى صخرة صغيرة. ولكنى قلت انها أكبر صخرة و تقع تماما تحت مدخل المسجد"، قال الصقر: عذرا ان سمعى ضعي وليس بقوة بصرى.. إذن فانت تتحدثين الآن عن الصخرة الكبيرة وليست الصخرة الصغيرة" أجابته الحية فى صوت هادىء : "نعم" فقال الصقر: "فما لونها؟" - فقالت الحية: " هى صخرة مثل باقى الصخور، لا تختلف فى لونها عن أى من حجارة المسجد و لكنها أكبر تلك الحجارة"
قال الصقر : " الآن صرت اعرفها" .. .. لم تزد الحية فى كلماتها للصقر و اختفى صوت هسيسها و لم يبقى حول الصقر سوى رياح الليل تصطدم بحجارة المسجد و تنخرها محدثة أصوات كئيبة فى المساء.
فى تلك الليلة أدرك الصقر أن الحية الواشية لن تصعد له أبدا ولن يراها و ربما لن يفلح فى خداعها، وانه اذا اصطاد الحية الصيادة بالغد فلن يسمع صوت الواشية ثانية، وهنا قفزت فكرة جديدة إلى الصقر" قد لا تكون الصيادة واشية مثل اختها ولكنها ربما تشى لتحافظ على حياتها أو لتنتقم من أختها"

الخميس، 12 أبريل 2012

الصقر والحيات الثلاث (الجزء الأول)

...الصقر والحيات الثلاث...
الحيّة الواشية والحيّة الخادعة والحيّة الصيادة

كان أحد التجار يسير بتجارته فى قافلة من بيت المقدس يقصد القاهرة؛ مدينته. وفى منتصف الطريق هاجم بعض البدو وقطاع الطرق قافلته وسرقوا كل ما فيها و قتلوا كل رجال التاجر، ولكنه استطاع أن يفلت منهم فى صخب المعركة وهرب من اللصوص ونجا منهم فى ظلام ليل الصحراء- دون أن يفطن اللصوص إليه.

وعندما طلع عليه الصباح وجد نفسه ضائعا فى الصحراء الشاسعة وبعد ثلاثة أيام من السير بدون اتجاه، كاد أن يفتك  به العطش، حتى بلغ مكانا وجد عنده بئر قديم ومهجور لكنه كان ممتلأ بالمياه، وبجانب البئر كانت تنمو نخله قصيرة مثمرة، فنزل التاجر فى البئر وشرب من مياهه واغتسل وأكل من تمر النخله واحتمى تحت ظلالها من أشعة الشمس الحارقة ولم يغادر ذلك المكان فلم يكن معه أى شيىء يحمل فيه المياه من أجل الطريق وهكذا ظل هناك ينتظر أن يعثر عليه مسافر  فيحمله نحو المدينة، ولكن أحدا لم يأتى، فنذر التاجر لإن نجا من محنته وعاد إلى القاهرة لينفق نصف ماله فى بناء مسجد عظيم عند البئر والنخلة ليكون منارة للضالين فى الصحراء.

وبعد أيام من قسمه عثرت عليه احدى القوافل المتجه لمدينة القاهرة واصطحبوه معهم، ولما عاد وسط أهله، أصر التاجر على أن يبر بقسمه وينفق نصف ماله فى بناء مسجد عظيم عند ذلك البئر، وخرج العمال والبنائين من المدينة ومعهم النجارين وأهل الصنعة تتبعهم قافلة عظيمة تحمل قطع الحجر والرخام وعلى بعد أربعة أميال شرق القاهرة عند موضع البئر شرعوا فى بناء  ذلك المسجد كأبهى ما يكون عليه أى مسجد فى المدينة، فجعلوا فيه قبة ومئذنة وفناء واسع ضخم نقشوا حجارة أرضه بقطع من خرط الرخام الأبيض و الأسود و الأحمر، واكتمل البناء  وصار المسجد آية فى  العمارة والإنشاء ولكن أحدا لم يقم فيه الصلاة، فلقد كان المسجد بعيدا جدا عن المدينة والقرى المجاورة- ولم يرفع فيه الأذان سوى المسافرين أو رجال القوافل العابرة التى كانت تقصده للراحة وسقاية الدواب من ماء البئر.. حتى نضبت مياه البئر ولم تعد القوافل تتوقف عند ذلك المسجد فهو يبعد عن طريق التجارة والسفر.

فخرب البناء وتهدمت جدرانه بفعل عواصف الصحراء الترابية كما سقطت القبة وشرفات المسجد وقمة المئذنة ولكن ذلك لم يكن إلا فى أيام الحفيد الرابع للتاجر بعد مئة عام من وفاة التاجر وهو الوقت الذى تدور فيه حكاية الصقر والحيات الثلاث.
... ... ...

بعيدا .. بعيدا فى وسط الصحراء القاحلة، كانت أشعة الشمس الحارقة تمتد إلى كل مكان ما عدى بقعة صغيرة مليئة بظلال حجارة متناثرة لمسجد متهدم هجره البشر منذ سنين طويلة مضت، لم يكن أى أحد من ساكنى المكان الجدد يعلم أى شيء عن حكاية ذلك البناء أو من بناه.


كان كل من يعيش فى ذلك المكان القفر هم من الحيوانات و بالتحديد حيوانات الصحراء التى اعتادت على الاختفاء نهارا والتجول ليلا، بعيدا عن شمس الصحراء الملتهبة، ولذلك وجدت الحيوانات البرية فى أطلال ذلك البناء  جنة من ظلال تحميهم من أذى شمس الصحراء بالنهار وهكذا صار المكان مقصدا للعديد من الحيوانات الصحراوية، خاصة بعد ان اكتشف بعضها كهفا صغيرا مليئا بالمياه يقع أسفل صحن المسجد.

فى داخل شقوق حجارة المسجد عاشت عائلات من الفئران التى تستطيع أن تصل إلى كهف الماء القابع فى أعماق  الأرض، وفوق مئذنة المسجد المتداعية وضع الصقر عشا له و منه كان يراقب العالم، الأرض والسماء وكل شىء. عاشت هناك أيضا ثلاث حيات فى وسط أنقاض المسجد وكانت تتغذى على الفئران الضالة.

كانت الحيات ثلاثة أخوات تشبه كل منهن الأخرى ولكن الحب والوئام لم يسد بينهن ، فكانت كل واحدة تكره أختها وتحقد عليها، ولم يكونوا يتقاسمن أى شيء من طعام، وما ان تجتمع اثنتان منهن حتى يتحدثن بالسوء عن الأخت الغائبة.كانت احداهن تسمى الحية "الخادعة" والثانية تسمى "الواشية" وكانت أصغرهن أما الأخت الكبرى فتسمى "الصيادة".

لم يكن الصقر الذى عاش فوق قمة المئذنة يعلم شيئا عن أمر الحيات التى تعيش أسفل منه وسط صخور المسجد، فلقد كان ثلاثتهم ماهرين فى فنون المراوغة والتخفى ولم يكن أى منهم يتحر إلا فى ستار من ظلام الليل، حتى جاءت ليلة اشتد فيها الخلاف بين الحية "الواشية" والحية "الخادعة" وكان صوت الشجار و الصياح يسمع فى كل أرجاء البناء، فاختفت الفئران و هرعت إلى جحورها، واستيقظ الصقر من نومه فوق قمة المئذنة وتسائل إذا كان المسجد به كل تلك الحيات فلماذ لم يراهم من قبل و عزم أنه فى الصباح لن ينطلق للصيد وسيظل فوق المئذنة يحدق فى خرابات البناء ويقتنص تلك الحيات، ولكن فى اليوم التالى ظل الصقر منتظرا فوق المئذنة ولكنه لم يلحظ أى حية تتحرك فى الجوار حتى ظن أن ما سمعه بالأمس كان ظلا فى عقله.

ولكن الحية "الواشية" أرادت الانتقام من اختها "الخادعة" وتتخلص منها ولكن قتلها شيىء لا تقدر عليه، فذهبت تتحسس طريقها بين شقوق الصخور حتى وصلت قاع المئذنة واختبئت فى بئر المئذنة وصارت تهس وتنادى على الصقر من أسفل ولكن صوت هسيسها كان يتسلق  ظلام جوف المئذنة ويدوى عند قمتها فى أذن الصقر.

سمع الصقر ندائها و نظر فى البئر فلم يرى أى شيىء يتحرك ولكنه أيضا ما كان ليجازف ويسقط نفسه فى بئر مظلم قد لا يستطيع الخروج منه. فطلب من الحية أن تتسلق وتأتى له فيراها ويسمعها فهو يحب دائما أن يرى من يخاطبه!

فقالت الحية: "أنا الواشية ولكنى لست حمقاء.. لو خرجت لك لأكلتنى.. وأنا أعلم هذا يقينا.. ولكن ان كنت تريد أن تأكل حية فسوف أساعدك على هذا"

قال الصقر: "و كم حيه غيرك فى هذا المكان؟"

قالت الحية "الواشية": " نحن ثلاث حيات أخوات.. .. أنا والخادعة وكبيرتنا الحية الصيادة"

قال الصقر:" حسننا وماذا تريدين؟"

قالت "الواشية": "الصداقة.. وعهد الأمان فى مقابل أختى"

 قال الصقر:" اننى أبدا لم أرى أى منكم من قبل .. حسننا ولكن.." ثم صمت قليلا وحدث نفسه فقال: " يا لغباء معشر الحيات و هل يقتل الصقر إلا ما يراه؟" ثم عاد ليحدث الحية وقال : "ولكنى لا أراك ولم أرى أى من أخواتك من قبل؟" أجابته الحية: هذا لأننا لا نخرج إلا فى اليل عندما تكون نائما.. ولا نتحرك إلا فى ستار من ظلام الليل.. ولأن جلودنا سوداء مثل قلوبنا فإنك مهما حدقت فينا فى الظلام فلن ترانا!"

قال الصقر: " اذن فكيف سأحصل على اختك؟".. قالت :" نحن لا نخرج فى اليل أبدا إلا أختنا المخادعة.. تتحرك هنا وهناك فى ساعات النهار فوق صحن المسجد الرخامى".

قال الصقر: " كيف تفعل و انا لم أرها من قبل؟" – قالت: "هذا لأنها مخادعة وماكرة"- وأنا هنا لأطلعك على سرها: "توجد فى أرضية الصحن بلاطات رخامية مزركشة من حجر أسود وأبيض وأحمر، أما ما تفعله أختى فهى لا تضع بطنها أو تزحف إلا فوق الحجارة  السوداء، فهى تفعل ما تفعل وتتحرك كيف تشاء فى وضح النهار وأبدا لن يراها طائر من السماء أو صقر  راقد فوق مئذنة."

قال الصقر: " هى مخادعة بالفعل.. إنى أتسائل كم مرة خدعتنى تلك الماكرة!!"ثم نظر نحو فناء المسجد و حدق فى أركانه و عاد يلتفت نحو بئر المئذنة و قال: ولكن ان كانت تفعل هذا فلا سبيل لها أبدا"
اغتاظت الواشية من كلمات الصقر و قالت: " لا ليس بعد.. فهناك طريقة واحدة لكشف خدعتها!.. وهى أن تهبط  و تقف فى أحد أركان الصحن الأربع و تنتظرها فوق الأرض مباشرة و تخفض رأسك ما استطعت و أنت تراقب أى شيىء يتحرك فوق بلط الصحن الرخامى، فإذا جاءت أختى فسوف تراها من دون أن تراك، فخدعتها الناجحة قد منحتها  شيئا من الغرور.. وإذا لزمت مكانك دون أن تخفق بجناحيك فلن يشعر بك أحدهم"

شكر الصقر الحية وفى اليوم التالى فعل مثلما أمرته الحية واستطاع أن يقتنص الحية "الخادعة" وأكلها و كان مذاقها أطيب من مذاق أى فأر التهمه الصقر من قبل، وظل يحلم باليوم الذى يصطاد فيه "الواشية" و"الصيادة" ومرت أيام كثيرة كان الصقر يراقب فيها خرابات المسجد دون أن يلحظ أى حية، حتى جاءت ليلة  استيقظ الصقر فيها على صراخ الحيات و شجارها، وفى صباح اليوم التالى لم يغادر الصقر عشه وانتظر ان تأتيه احداهن وهو ما حدث.

السبت، 31 مارس 2012

الحية والراهب

تمتلئ القرى الجبلية بحكايات غريبة عن غدر الثعابين ومكرها، ربما كانت كل تلك الحكايات صحيحة بالفعل، وربما لم تكن كلها تروى الحقيقة كاملة والدليل على هذا هو إحدى القصص التى حدثت فى قرية بعيدة ونائية وسط الجبال.

فمنذ زمن طويل كانت تتسلل إلى بيوت القرية عندما يحل الظلام أفعى ضخمة سوداء، كانت تدخل البيوت عبر شقوق الجدران ومن أسفل فتحات الأبواب،  وكانت تقتات على فتات الطعام الذى يتركه البشر فى القدور، وكانت تلك الحية تكره البشر و تبغضهم فكانت لا ترى قدر طعام أو جرة ماء أو لبن حتى تنفث فيها السم ليموت أهل الدار فى صباح اليوم التالى من زيارتها الليلية.

بحث أهل القرية عنها وفتشوا فى كل جحر فى القرية و حولها  وقتلوا كل الثعابين والعظات التى  وجودها فى الجحور ومع ذلك ظللوا متيقنين أنهم لم يصلوا غايتهم فلا زال أهل القرية يموتون بسبب عادة الحية البغيضة من بث السم فى القدور بعد سرقة ما بها من طعام، ومها حرص أهل القرية  على تغطية قدور الطعام قبل النوم كانوا كثيرا ما يستيقظون على صوت تحطم أحدى أوانى الطعام الفخارية بعد أن حاولت الحية تسلقه و كشف غطائه، ومع ذلك لم يرها أو يدركها أحد حية، فلقد كانت الماكرة بالرغم من ضخامتها تجيد الاختباء والمراوغة.

وظلت القرية على هذه الحالة حتى قررت الأفعى أن تزور منزل فقير فى طرف القرية، كان المنزل يسكنه راهب عجوز أعمى يعيش بمفرده،  كان منزلا بسيطا و متواضعا من غرفة وفناء يتوسطه بئر ماء، لم تجد الحية فى منزل الراهب أى جرة أو طعام أو حتى قدر، فلقد كان الراهب يقضى الليل فى التعبد وفى النهار كان ينزل إلى القرية و تناول الطعام فى أحد بيوت أهل القرية، ولم يكن فى داره شيئا سوى البئر القديم و بعض الثياب الرثة، ومع ذلك استشعرت الحية الدفء والطمأنينة فى تلك الدار،فعزمت الحية أن تتخذها مسكننا لها كى تضع فيه بيضها فى أحد شقوق جدار الدار خاصة بعد أن اطمئنت إلى أن العجوز  لن يراها أبدا فهو أعمى – وهى من قبل قد خدعت المبصرين من أهل القرية.

عاش كلاهما فى نفس المنزل و الراهب العجوز لا يعلم عنها شيئا، بالنهار ينزل العجوز إلى القرية فيطعمه أهلها و بالليل تنزل الحية فتأكل فتات الطعام و تضع السم فى طعام أهل القرية. واستمر هذا الحال حتى بعد أن وضعت الحية اثنتا عشر بيضة فى شق طولى بين جدار الحائط وأرض دار العجوز، وفى ليلية عادت الحية الى دار الراهب و لم تجد بيضها فى الشق! فتشت الحية عنهم فى الدار  فلم تجدهم ونظرت إلى العجوز  فوجدته فى نوم وسبات عميق، فاغتاظت منه وأرادت الانتقام، لقد كانت الحية تعلم أن الدار تخلو من أى إناء أو قدر ، فاتجهت إلى فناء الدار و تسلقت  بئر الماء الذى اعتاد الراهب أن يشرب منه و نفثت فى مياهه كل ما كان فى جوفها من سم، ونظرت ألى مياه البئر الصافية وهى تتعكر وتختلط بقطرات السم الفضية و شاهدت فوق صفحة مياه البئر صورة الراهب العجوز وهو يتلوى من الألم و ينازع آلام الموت بعد أن يشرب  من ماء البئر فى الصباح.. ومع ذلك ظلت الحية تشعر بالغيظ والكره نحو العجوز فعادت تتسلل إلى الدار،  وهى تتمنى لو أن لها أنياب حادة فتغرز ها فى قدم العجوز العارية و تضع سمها فيه مباشرة، ولكنها قد فقدت أسنانها منذ زمن طويل ولا تستطيع سوى بث السم فى الطعام و القدور.

وعندما تقلب الراهب العجوز فى منامه - انتبهت الحية إلى قدر طعام لم تلحظه من قبل، كان الراهب قد وضعه بينه و بين الجدار وأخفاه بعناية وسط حشوات من ملابسه البالية كما لو كان يخفى داخله طعاما طيبا أو شيئا ثمينا، هرعت الحية على الفور نحو الإناء لتفعل فيه ما فعلته فى البئر ، ولكنها لم تجد فيه سوى  بيضاتها الإثنى عشر التى  كانت من قبل قد وضعتها فى شق الجدار، وقد أحاطها الراهب العجوز بثيابه البالية كى يمنحها الدفئ ، فرحت الحية فرحا عظيما و فرحتها تطايرت سريعا عندما تذكرت البئر وما قذفت فيه من سم  وكيف سهلك العجوز الأعمى عندما يشرب منه فى الصباح.

هرعت الحية نحو فناء الدار تستبق الصباح تحاول أن تجد سبيلا تتدارك به خطئها، فما كان منها إلا أن التفت بجسمها الضخم الطويل حول البئر، وصارت تضغط على حجارته المتراصة فى شكل دائرى حول الفتحة، من قبل اعتادت الحية أن تقوم بهذا التصرف عندما تريد ان تكسر جرة  اخفى فيها البشر طعاما لهم وأحكموا إغلاقها، ولكن حجارة البئر كانت قوية و صلبة أقوى من أى جرة كسرتها الحية من قبل، ومع ذلك تحاملت الحية واعتصرت جدران البئر حتى استطاعت أن تلتقم ذيلها بفمها وأخذت تجذب فيه طوال ما بقى من ليل و مع بزوغ الفجر كانت قطع الحجارة حول البئر  قد تدحرجت من مكانها وهوت فى مياه البئر المسمومة، أما الحية فماتت تحت وطئة الحجارة بعد أن ابتلعت نصف ذيلها و تكسرت عظامها.

وفى الصباح اكتشف أهل القرية كل ما حدث فى المساء بعد أن استدعاهم الراهب الأعمى لينظروا أين اختفى البئر، ولما علم الراهب ما كان من الحية ، احتفظ بالثنى عشر بيضة حتى فقسوا جميعا  وحملهم فى طيات ملابسه وأطلقهم فى البرية ولكن أهل القرية تتبعوه فى صمت دون أن يراهم وقاموا بالتقاط الأفاعى الصغيرة وقتلوها جميعا ولم يخبره أحدهم بما فعلوا.

ومن بعد ذلك مضت الأيام قليلة قبل أن يفارق الراهب الحياة ويوصى بأن يدفن فى بئر منزله، ولما سئله أهل القرية و هو ينازع الموت :

" أو تدفن وسط السم؟"
أجابهم:
" بل وســــــط الحــب"