الأحد، 17 يونيو 2012

حكاية الغيلان الثلاثة(1)


... الغيلان الثلاثة...



1-   صخرة على الطريق



فى نهاية الطريق الواقع بين مدينة الشقوق ومنطقة الجحور وبالجهة المطلة على شاطئ البحيرة الموحل كانت توجد صخرة صغيرة تقف تماما فى منتصف ذلك الطريق، كما لو كانت تعترضه، وبالفعل كانت هذه الصخرة تسبب حيرة كبيرة للطريق وللمارة فيه من الحيوانات والحشرات الزاحفة.



 كانت الحيوانات  كثيرا ما تتوقف أمام تلك الصخرة لتقرر هل ستنعطف نحو اليمين أم ستتخذ اتجاه اليسار؟ فمن بعد الصخرة لا يمكن للحيوان العابر أن يستمر فى سيره قدما  نحو الأمام ليصل إلى الشاطئ، فالسير فى الطريق المكشوف لبعض الحيوانات الصغيرة يعتبر مصدرا للأمان بعض الشىء، وعندما أتحدث عن الحيوانات الصغيرة فأنا أعنى الحيوانات الصغيرة للغاية من حشرات ودواب الأرض الزاحفة و التى لا تهتم لها الطيور الكبيرة و الجوارح.



ولكن الطيور الكبيرة قد تهتم بالزواحف و الفئران والتى بدورها تعيش فى مدينة الشقوق و منطقة الجحور وتخشى الخروج إلى الطريق المكشوف خوفا من الطيور المحلقة فى السماء منتظرة أى لحظة حاسمة لكى تنقض على فأر عابر أو ثعبان زاحف. ولكن عندما تقرر الحشرة الصغيرة أن تنعطف حول الصخرة جهة اليمين أو اليسار فهذا يجعلها بعض الشىء تعبر فى أرض الشقوق أو مملكة الجحور وهو ليس بالمكان الآمن للحشرات التى تراها بعض الحيوانات لذيذة.



قبل أن أمضى فى سرد هذه الحكاية يجب أن أوضح معنى كلمة لذيذة فى عالم الحيوان حتى لا تساء فهمها، فهى كلمة تختلف تماما فى المعنى عن مثيلتها فى عالم البشر.



فالبشر يسمون بعض الأطعمة لذيذة و الأخرى قد يقولون أنا مفيدة للجسم وضرورية وليست بحلاوة الأطعمة اللذيذة، ولكن الأمر مختلف بعض الشىء بالنسبة لعالم الحيوان، النظام الغذائى كله مختلف، فالبشر لديهم وجبات يومية، إفطار ، غداء وعشاء ولكن فى عالم الحيوان قد لا تحظى بعض الحيوانات بوجبة عشاء لأنها قد أصبحت وجبة عشاء لحيوان آخر. ويوجد نوعين فقط من الحمية الغذائية فى عالم الحيوان؛ أن تأكل أو تأكل



"To eat or to be eaten"



وأما الطعام اللذيذ بالنسبة لهم فهو ما يمتاز بصفتين ؛ أولهما أنه متحرك أو كان يتحرك قبل الأكل والصفة الثانية هى أن يكون أصغر من حجم الفم أو يمكن تقطيعه إلى قطع صغيرة أصغر من حجم الفم أو يمكن ابتلاعه .. .. ربما  منذ زمن بعيد جدا كان نفس معنى كلمة لذيذ لدى الحيوان يستخدم لدى البشر ولكن بالتأكيد كان هذا قبل أن يكتشف الإنسان سر الطهى والطبخ وهو أمر لم تتعلمه الحيوانات بعد.!!



كذلك لم تتعلم الحيوانات كيف تتعامل مع مشكلة الصخرة التى تقف فى نهاية الطريق المكشوف، خاصة بعد أن تطورت هذه المشكلة وأصبحت مصدر معاناة وألم لكثير من الحيوانات المارة التى تستخدم هذا الطريق، وبالنسبة للحشرات الزاحفة  .. كانت معاناتهم مميتة مع تلك الصخرة.



2-   الإجابة الخاطئة



فى آخر أيام حكم الملك "كـا-رون" سيد نسور البحيرة، اعتادت ثلاثة من الضفادع الضخمة أن تجلس فوق الصخرة وتظلان هناك منذ غروب الشمس وحتى الساعات الأولى من شروق شمس الصباح.



كانت الضفادع الثلاث شديدة القبح و ربما كان أبشع ثلاث كائنات قد تقع عليهم العين، فكانت تزهد فيهم الثعابين والضوارى وتخشى الاقتراب منهم من بشاعة هيئتهم، ولقد زاد هذا الأمر سوءا فى حالهن، فلقد طالت أعمارهم و تضخمت أجسادهم حتى أصبحن ثلاث ضفادع عملاقة ترى من أى مكان وصارت الحشرات تسميها الغيلان الثلاث، أما ذكور الضفادع ذات أصوات الغناء القبيحة، فلطالما تجنبت هذه الثلاث ضفادع و عزفت عن الاقتراب منها و التودد إليها و هكذا لم تتزوج أى من الثلاث من بنى جنسها، وعاش ثلاثتهم عمرا طويلا دون أن تستمع أى منهن إلى كلمة طيبة من أى حيوان صديق كان أو عدو و كان الجميع يتحاشاهم.



ولقد سبب هذا الأمر لهن حزنا عميقا لم تفهمه أو تدرحه أى من كائنات البحيرة، فطوال حياة الثلاث لم تحظى أى منهن بأى صحبة سوى صحبة الثلاث ولكن حتى هذه الصحبة و الرفقة لم تكن سببا فى سعادة أى منهن بل كانوا يرون أنفسهن المنبزذات الثلاث كما أسمتهم الزواحف ولم يجدوا أى عزاء فى مأساتهم سوى ذلك الهاجس الذى سيطر على عقولهم، فلقد تنامت فى عقولهم فكرة أن كونهم غير جميلات فهذا بالتأكيد لا يعنى أنهن على نفس الدرجة من القبح، فبالتأكيد يوجد بينهن من هى قبيحة و من هى أقبح منها و تلك التى ستكون أقبح الثلاثة.



وهكذا صورت لهن هذه الفكرة أن احداهن ستكون أجمل من اثنتين وأخرى ستكون أجمل من الثالثة بينما ستظل احداهن من ستحتفظ بلقب الأقبح على الاطلاق. وفى هذه الفكره وجدت الضفادع شيئا من الترضية ولاقت القبول لدى ثلاثتهن، إلا أنهم لم يتفقوا على من منهن هى القبيحة ومن الأقبح ومن الأكثر قبحا على الاطلاق؟



وهكذا قرر ثلاثتهن ان يجلسن على الصخرة التى تعترض الطريق المكشوف الذى تستخدمه الحشرات الذاهبة الى البحيرة أو العائدة منها، وكلما مرت بهن حشرة استأذنوها فى لطف لتحكم بينهن.. من منهن هى القبيحة؟ ومن هى الأقبح منها؟ و من هى الأكثر قبحا؟

ولقد كانت الحيرة التى يتركها هذا السؤال فى أذهان الحشرات عظيمة جدا.. ولا يمكن مقارنتها بالحيرة التى يسببها سؤال:

"هل أتخذ المنعطف الأيمن وأسير عبر أرض مدينة الشقوق؟..أم هل أنعطف يسارا وأسير فوق تلال الجحور؟ "



وكانت الحشرات تقف أمام الثلاثة و تقضى ساعات طويلة تتنقل ببصرها بين وجوه الضفادع الثلاث تبحث عن أى علامة جميلة أو نتوء بارز أو غائر فى أجسامهن أو رؤوسهن العملاقة لتحدد أى منهن الأكثر قبحا.

وبعد فترة طويلة من التأمل تخرج الحشرة بحكمها النهائى و تقول:

" أنت القبيحة وأنت أقبح منها و أنت أقبح الثلاثة"



وكانت اثنتان فقط من الضفادع تسعد بهذه الإجابة بينما الثالثة  وهى صاحبة لقب أقبح الثلاثة فكانت تشعر بالظلم وة أن حكم الحشرة لم يكن عادلا و بسرعة كانت تقفز عاليا و تهبط فوق الحشرة و تلتهمها هى و حكمها وعقلها المريض الذى لا يستوعب معنى الجمال.



ولقد تكررت هذه الحوادث مع الكثير من الحشرات الزاحفة والتى لا يجيد أغلبه الكذب وكانت جميعها تدفع حياتها ثمنا لصدقها.



لقد تغيرت الاجابات وتنوعت الأحكام والأراء ومع ذلك كانت النتيجة تظل واحدة وهى أن تلتهم الضفدعة الأقبح الحشرة الحكم أيا من كانت هذه الضفدعة. وفى كل مرة كانت حشرة جديدة ترى شيئا قبيحا لم تلمحه الحشرة التى سبقتها ومن ثم تفقد حياتها ثمنا لهذا الاكتشاف.



حاولت بعض الحشرات الفطنة أن تتهرب من الإجابة أو أن ترفض وكانت تلك أيضا تدفع ثمن ذلك حياتها حتى تلك الحشرات المسكينة التى ادعت أنها عمياء و لا تبصر.



حاولت الخنافس أن تستنجد بالسحالى الضخمة لكى تنقذها من الضفادع الثلاث ولكن الخنافس التى نجت من التهام السحالى عادت لتخبر رفاقها  بأن السحالى رفضت مساعدتهم وقالت:



" ليس من الممكن أن تأكل السحلية حيوانًــــــا تخشى النظر إليه من فرط قبحه!!.."



وهكذا أصبح الطريق المكشوف ذو نهاية مميتة فى عالم الحشرات و صغار الحياوانات، ولم يعد السؤال الذى تتناقله الحشرات الزاحفة عن أى الضفادع هى الأقبح و صار السؤال الذى يعصف برؤوس الحشرات الصغيرة عن الإجابة التى قد تقولها حشرة و تظل محتفظة برأسها من بعدها..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق