الاثنين، 12 مارس 2012

الغابة العتيقة(الجزء الرابع)

1-   قردة البابون

"عاشت قردة البابون تمرح و تلهو فوق أغصان شجر "المووه" بعد أن صارت الغابة العتيقة موطنها الجديد، و كانت القردة تراقب الأشجار وهى  تسمعها وهى تتكلم إلى كل حيوان بلغته وليس الحيوانات وحسب بل الشمس والقمر و النجوم والرياح ،لم تكن القردة تفهم كلام الأشجار إلا أنها كانت مفتونة بأشجار الغابة العتيقة، كيف لها أن تعلم كل هذه اللهجات وكيف ومتى تعلمتها؟ و كيف تستطيع مخاطبة كل فصيل من الحيوانت بلغته ؟ وكيف تكلم الجماد من صخر وريح وغيوم؟ وبعد أن علمت القردة من الأشجار بأنها تستخدم لغة واحدة فى الحديث الى جميع المخلوقات- ازداد ولع القردة وافتتانها بلغة "المووه" و ما تخفيه كلماتها من حكمة وموعظة فطلبت القردة من أشجار الغابة العتيقة أن تعلمها منطق لغة "المووه"- اللغة الأم!"

" ووافقت الأشجار بعد أن عاهدتها القردة على أن لا تستعمل هذه اللغة فى غير الخير- فلغة المووه لغة مقدسة لخير و نفع كل الكائنات ولا يجب أن تستخدم فى الشر، وكذلك تعهدت القردة أن لا تكذب أبدا وهى تنطق بهذه اللغة.. .. ولقد قال أحد القردة مداعبا الشجر:
"حسننا لن نكذب بلغة "المووه" و لكنا لازلنا نستطيع أن نكذب و نحن نتحدث بلغة قردة البابون.. ان أردنا بالطبع.. .. أليس كذلك؟"
جاءته الأجابة من بعيد فى صوت أشبه بغناء جماعى لمجموعة من الطيور يغردون بنفس الموسيقى، وكلما التفت القرد للوراء ليرى مصدر الصوت استشعر الأنغام تأتيه من الخلف من حيث لا يراها.. كانت هكذا تتحدث الأشجار العتيقة وتهمس عندما تحدثت بلغة "المووه" ووقعت الكلمات فى أذن القرد الساخر بلغة البابون فقالت:
".. .. إن من يتحدث لغة الموووه.. سينسى كل لغات العالم.. .. وسيظل يذكر لغة المووه فى قلبه.. طالما قلبه يخفق وأنفاسه فى هذا العالم تتلاحق.. عندما تتعلمون لغة المووه.. سوف تنسون لغة آبائكم وأجدادكم.. .. ان اللغة مثل زهرة صغيرة.. ان لم تشرب الماء .. ذبلت وجفت وفى آخر النهار تموت.. والماء الوحيد الذى تسقى به لغة البابون لا يوجد الا فى أفواهكم.. و عندما تتركون الكلام بها.. ستذبل وتموت وستصبح لغتكم الوحيدة هى لغة المووه"
 ثم عم الصمت الغابة و تنقلت عيون القردة من قرد لقرد و قدملأتهم الحيرة التى اختلطت بالفرحة.. فلا بأس من سيحتاج لغة البابون اذا كان يستطيع الكلام مع كل شيىء فى العالم.. بابون أو غير بابون؟".. .. ثم عاد هسيس شجر الغابة ليسمع من حولهم و كانت كلامت الشجر تقول:
" ان تعاهدونى اليوم على أن لا تكذبوا بلغة المووه.. فانتم بذلك تعاهدونى على أن لا تنطقوا بالكذب أبدا".. .. لم تتردد القردة للحظة واحدة  وعاهدت الشجر ..  ..

 " وطوال ثلاثة أشهر من بعد ذلك الإجتماع كانت القردة تقضى النهار جالسة أسفل ظلال الأشجار تنصت لألحان وأصوات غريبة ولكن بديعة ،كانت تلك الأصوات هى حروف وكلمات اللغة المقدسة.. لم تكن لغة "المووه" صعبة على عكس ما قد يتخيل من يجهلها، كانت لغة بسيطة وسهلة، كثيرة الحروف والكلمات  ولكن كلماتها لا تنسى.. ودائما عندما تسمع كلمة وتعرف معناها لا تنساها مطلقا و بل و تشعر أنك قد سمعتها من قبل و ان هذه ليست أول مرة تسمعها، كذلك كانت قواعدها

وطريقة نطقها سلسة و بسيطة حتى  استشعرت القرود بعد أن تعلمتها بأن لغتها كانت دوما هى لغة "المووه" وأنها لم تعرف لغة غيرها.."

"بعد أن انقضت الثلاث أشهر صارت قردة البابون غير ما كانت عليه قبل أن تتعلم حكمة اللغة الأم.. فأصبحت حيوانات شديدة الحكمة و المعرفة ، و لم يعد صياحها و عوائها يملأ الغابة كما كانت من قبل تفعل ، بل أصبحت صامتة معظم الوقت .. قليلة الكلام، تستمع إلى أصوات وأخبار العالم فهى الآن تعرف لغة كل شيىء، وكانت فى المرات القليلة التى تتكلم فيها تخرج من أفواهها كلمات مثل الموسيقى ربما أقرب إلى صوت خرير الماء العذب أو مثل رياح متراقصة.. لا أحد يعلم  فلا يوجد هناك من سمع منطق تلك الكمات السحرية و لازال حيا  فيصفها لنا كيف كانت؟"

"كانت كل الحيوانات تنظر إلى القردة وتتعجب منها وتتساءل كيف تعلمت القردة هذه اللغة الصعبة ولماذا من دون كل حيوانات الغابة اختارت الأشجار قردة البابون لتعلمها.. ولكن الحقيقة التى غابت عن الجميع هى أن القردة كانت الكائنات الوحيدة التى سئلت الشجر أن تعلمها منطق "المووه" ولم يفعل من قبل ذلك أى حيوان أو كائن.. ..  وكانت القردة تعطف على حيوانات الغابة وتترأف بحالها فعلمتها بعض كلمات المووه الضرورية التى قد تحفظ حياتها وقت الخطر مثل: انى جائع.. انى عطشان..انى أشعر بالبرد.. أنقذونى"

كانت أشجار الغابة العتيقة ترى ما تفعله القردة مع باقى الحيوانات و تستحسنه وتشعر أنها أحسنت فى إختيار من استأمنتهم على لغة "المووه" فهم لا يمتازون فقط بالعقل الذكى و سرعة التعلم بل أيضا بالخلق الطيب، فكانت الحيوانات تلجأ إلى القردة فى وقت الضيق والمصائب طلبا فى العون والمشورة وكانت تسميها قردة البابون الناسك أو البابون الراهب، لأن القردة كانت تحب العزلة وتفضل الإنصات عن الكلام فهى تنصت لكل الأصوات التى لا تفهم الحيوانات معانيها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق